الرئيسية / غير مصنف / البحث العلمي في خدمة إشكاليات الواقع:مؤسسة الياسمين شريكا في مشروع بحثيّ جديد بتمويل من صندوق Horizon 2020

البحث العلمي في خدمة إشكاليات الواقع:مؤسسة الياسمين شريكا في مشروع بحثيّ جديد بتمويل من صندوق Horizon 2020

لا يمكن قراءة التحرّكات التي عرفها الشارع التونسيّ في الفترة الأخيرة خارج السياق الاقتصاديّ والاجتماعيّ والصحيّ الذي تشهده البلاد منذ فترة زمنيّة يبدو أنّها طال وثقل وطؤها على المجتمع التونسيّ. من الملاحظ أيضا أنّ التحرّكات أغلبها انطلقت من أحياء شعبيّة تعاني من استبعاد الدولة لها حتّى اليوم من توفير الخدمات وسبل العيش الكريم من توفير بنية تحتية محترمة ومنشآت تتوفّر فيها مواطن الشغل إضافة إلى عدم قدرة أطفال وشباب هذه الأحياء على الوصول إلى مساحات وفرص الترفيه. لقد ساهم مناخ الحريّة بعد الثورة في تعرية ما خلّفته منظومة الاستبداد من منوال تنمويّ معطّل ومنظومة صحيّة مهترئة وعجز اقتصاديّ حادّ. إلّا أنّ إصلاح هذا الإرث الثقيل بعد الثورة قد تعطّل لأسباب عديدة متداخلة (على سبيل الذكر لا الحصر؛ التركيز على إرساء نظام سياسيّ ديمقراطيّ يقطع مع نظام الديكتاتوريّة، والمناخ السياسي غير المستقرّ وطنيا واقليميّا ودوليا…).

إنّ ما تعيشه البلاد اليوم من احتقان نتيجة اختلال أبعاد كثيرة للأمن الإنسانيّ أهمّها الأمن الاقتصاديّ والأمن الصحيّ والأمن المجتمعيّ والأمن السياسيّ، يجب أن يدفع المسؤولين في الدولة ونشطاء المجتمع المدنيّ في التفكير الجديّ ليس فقط في سبل تفعيل أبعاد الأمن الإنسانيّ لكن أيضا في طرق الوقاية من الظواهر المعتلّة التي تفرزها اختلالات أبعاد الأمن الإنسانيّ في المجتمع. من أهمّ هذي الظواهر المعتلّة التي برزت في المجتمع التونسيّ في مناسبات عديدة-ومنها التحرّكات الأخيرة- كردّ على ما عاشه المجتمع من تهميش متعدّد الأبعاد؛ العنف بأشكاله المختلفة مثل عنف الشوارع والتطرّف العنيف.

من أجل ما يمثّله العنف من تهديد على استقرار حياة الأفراد والاستقرار المجتمعيّ ومن عرقلة لعجلة التنمية، تعتبر مؤسّسة الياسمين للبحث والتواصل -كونها مؤسّسة مجتمع مدنيّ من أبرز أهدافها دعم مسار التحوّل الديمقراطيّ لتونس الثورة من أجل تنمية مستديمة- مسألة الوقاية من العنف والتطرّف العنيف أولويّة من أولويّات عملها. وفي هذا الإطار كان تنفيذها لمشروع “نحو سبل أكثر فعالية لمقاربات الأمن الإنساني في تونس” الذي امتدّ على اثني عشرة شهرا بين عام 2018 وعام 2019. وهو مشروع بدعم من الجمعيّة الهولنديّة للبحث العلميّ وتحت إشراف معهد غرب آسيا وشمال أفريقيا. نفّذت المؤسّسة المشروع في ستّ مناطق تونسيّة وأثمر المشروع سبع ورقات بحثيّة[1] تضمّنت توصيات دقيقة وعمليّة موجّهة لصنّاع القرار في الدولة التونسيّة بهدف تفعيل أبعاد الأمن الإنساني سبيلا للوقاية من تهديد التطرّف العنيف. ولأنّ مؤسّسة الياسمين منهجها البناء المعرفيّ عبر مراكمة المعارف التجارب، انطلقت من نتائج المشروع المُنفّذ للذّهاب نحو مشروع جديد يعمّق الخلاصات الأولى ويجعل النتائج أكثر فعاليّة وتفعيلا في الواقع التونسيّ. فمنذ فيفري 2020 افتتحت مؤسّسة الياسمين عملها في مشروع “سياقات التطرّف العنيف في مجتمعات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والبلقان” [2]CONNEKT بتمويل من برنامج الاتّحاد الأوروبيّ للبحث والتجديد Horizon 2020 وتحت إشراف المعهد الأوروبي للبحر الأبيض المتوسط IEMed. ويشارك في المشروع نحو 14 شريكا من الجامعات ومراكز البحث ومنظّمات المجتمع المدنيّ. إنّ مشاركة المؤسّسة في مشروع بحثيّ بهذا الحجم في إطار برنامج Horizon 2020 تعتبر اعترافا دوليّا صريحا بمؤسّسة الياسمين مؤسّسة بحثيّة أثبتت جدارتها في استثمار أدوات البحث العلميّ في معالجة إشكاليّات الواقع واقتراح حلول حولها.

يسعى بحث CONNEKT للإجابة أساسا عن سؤال: ما الذي يدفع الشباب إلى التطرف العنيف؟ وكيف يكون الشباب “مفتاح” الحلّ في منع التطرف العنيف؟ فمنهجيّة عمل المشروع تقوم على تشريك الشباب في البحث وحثّهم على رفع أصوات الشباب حتّى يصبحوا أصحاب مصلحة في مكافحة التطرف والتطرف العنيف.

يتميّز مشروع CONNEKT بمجموعة من النّقاط أهمّها الشريحة العمريّة التي يشتغل عليها وعوامل التحليل ومستوياته المتعدّدة. فــ CONNEKT يبحث عن دوافع التطرف والتطرف العنيف بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و30 سنة في ثمانية بلدان: البوسنة والهرسك وبلغاريا ومصر والأردن وكوسوفو والمغرب ومقدونيا الشمالية وتونس. ويسعى المشروع إلى تحليل سبعة عوامل يحتمل في أنّها تفضي إلى التطرّف: الدّين والرقمة والحرمان الاقتصادي والتّفاوتات الاقليميّة والدّيناميّات العابرة للحدود الوطنيّة والمطالبات الاجتماعيّة والسياسيّة وفرص التّعليم والثقافة والتّرفيه، ويُقيّمها على ثلاثة مستويات: المستوى العابر للحدود الوطنيّة ومستوى المجتمع المحلّي والمستوى الفردي. بهدف ضبط التّرابطات بينها وأهميّتها. ويهدف المشروع في اختتامه إلى تصميم برامج لوقاية الشباب من التطرّف والتطرّف العنيف بمشاركة الشباب وبالتنسيق مع السلطات المحليّة في كلّ بلد ينفّذ فيه.

نجحت مؤسّسة الياسمين في مرحلة أولى من المشروع في إنتاج ورقة ببليوغرافيّة مرجعيّة نقديّة بعنوان “المقاربات الوطنيّة في مكافحة والوقاية من التطرّف والتطرّف العنيف”، وقد تضمّنت قراءة في أهمّ الدراسات والورقات التي تمّ انتاجها حول موضوع التطرّف والتطرّف العنيف في تونس، كذلك عرضا وتلخيصا لأبرز برامج المكافحة والوقاية والسياسات والاستراتيجيات الذين تبنّتهم الدولة -خاصّة فترة بعد الثورة-  في معالجة تهديد التطرّف العنيف.

نشرت الورقة على الموقع الرسميّ لمشروع CONNEKT ويمكن تصفّحها على الرّابط التّالي: https://h2020connekt.eu/publications/tunisia-country-report-on-national-approaches-to-extremism/

إنّ هذه الورقة على أهميّتها في الإلمام بالحالة البحثيّة في تونس حول موضوع التطرّف العنيف، فإنّها ليست إلّا افتتاح سلسلة من المنشورات البحثيّة التي سيعمل مشروع CONNEKT على إنتاجها على مدار فترة تنفيذه بهدف تنزيل وترجمة المعارف الأكاديميّة إلى حلول عمليّة وتوصيات فعّالة موضوعها الاشكاليّات الحقيقيّة للواقع.


[1] http://wanainstitute.org/ar/publication/rethinking-concept-human-security-and-its-approaches-preventing-and-combating-violent

[2] https://h2020connekt.eu/about-us/

بقلم خولة غريبي

منسّقة مشروع CONNEKT ومنسّقة القسم البحثي “تدبـيــر” بمؤسّسة الياسمين

عن +

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى