الرئيسية / تدبير / بعد 10 سنوات من الثورة.. مكاسب سياسية ومطالب تنتظر التحقيق

بعد 10 سنوات من الثورة.. مكاسب سياسية ومطالب تنتظر التحقيق

تستحضر تونس اليوم 14 جانفي 2021، الذكرى العاشرة لثورة الحريّة والكرامة، حينما انتصر التونسيون على الديكتاتورية والاستبداد وأسسوا لعهد جديد يؤسس للديمقراطية والتعددية والتنوّع والاختلاف، لتنطلق تونس في مرحلة جديدة من تاريخها، مرحلة مليئة بالأحداث والإنجازات والصعوبات.

لقد تجاوزت تونس خلال هذه العشرية العديد من العقبات مواصلة تجربتها الديمقراطية الفريدة في المنطقة المحفوفة بالتّحديات والمخاطر. إنّ تجربة  تونس تحتاج اليوم –بعد عشرة أعوام من انطلاقها- إلى مزيد من العمل والتركيز على تحقيق أهداف الثورة وخاصّة الكرامة للمواطنين التي من شأنها تجذير حبّ الوطن في القلوب.

رفع التونسيون منذ عشرة أعوام عديد المطالب السياسية والاقتصادية والاجتماعية وأسقطوا نظام الاستبداد الذي صعقته ثورة الجماهير. لقد وجدوا أنفسهم أمام لحظة تاريخية سقط خلالها النظام الديكتاتوري بمفعول سلطة الشعب الثائر. هذا الشعب الذي نجح بعدئذ في انتخاب ممثلين به عبر انتخابات حرّة لمرات عديدة، ممارسا حقوق المواطنة ومساهما في بناء دولة المواطنين.

هذا النجاح السياسي الذي تمكنت من خلاله البلاد من التأسيس الحرية والمحافظة على جذوتها يتفق الجميع على انه يجب الاسراع بإيجاد حلول للتحديات الاجتماعيّة والاقتصاديّة المعلّقة مواجهتها حتّى اليوم حتى يصبح نجاحا تام الأركان وحتى تنجح البلاد حقا في تثبيت الديمقراطية. فالتنمية لازالت اكبر الاستحقاقات التي تنتظرها أغلب مناطق البلاد بعدما شملتها نسائم الحريّة العبقة، إذ أن فئة لا يستهان بها من الشعب مازالت تنتظر تحقيق مطالبها الاجتماعية والاقتصادية على غرارالتشغيل والعدالة الاجتماعية وتحسين الخدمات العمومية وغير ذلك من متطلبات العيش الكريم.

دسترة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية

كان دستور تونس الثورة الصادر في  في 27 جانفي 2014، انعكاسا لمطالب الثورة وجوابا بليغا على تطلّعات الشعب.  لذلك فقد ضمنت فصوله الحقوق الاقتصادية والاجتماعية معبّرة بشكل صريح عديد الحقوق مثل الحق في العمل والصحة والتعليم والملكية والحياة الكريمة والبيئة السليمة.

 أكّد الدستور في الفصل 12 على سعي الدولة إلى تحقیق العدالة الاجتماعیة والتنمیة المستدامة والتوازن بین الجھات استنادا إلى مؤشرات التنمیة واعتمادا على مبدأ التمییز الإیجابي.

كما يشير الفصل 40 من الدستور إلى حق كل مواطن ومواطنة في العمل في ظروف لائقة وبأجر عادل، مع سعي الدولة لضمانه على أساس الكفاءة والإنصاف.

وفي إطار الحديث عن الحقوق التي ضمنها الدستور كان لمؤسسة الياسمين للبحث والتواصل حوار مع أستاذ القانون الدستوري الأستاذ رافع بن عاشور الذي نبّه لضرورة التفريق بين فريقين من الحقوق، الأول هو الحقوق السياسية والمدنية والتي تنتمي للجيل الأوّل من حقوق الإنسان، أمّا الثاني فهو الحقوق الاقتصادية والاجتماعية المنتمية إلى الجيل الثاني من حقوق الإنسان.

وأضاف بن عاشور أنّ الحقوق السياسية والمدنية على غرار الحق في الانتخاب وفي التجمّع وحرية الصحافة وحرية تنظيم الأحزاب تم تضمينها في الدستور ويترتّب عنها التزام بالنتيجة بينما يكون الالتزام بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية عبر بذل قصارى الجهد.

وتابع بن عاشور موضّحا أنّ التزام الدولة بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية مرتبط بالإمكانيات المتاحة للدولة فلا يمكن توفير هذه الحقوق بين عشيّة وضحاها. فالحق في العمل مثلا مرتبط بتوفّر الاستثمارات وتطوّر النموّ فإلزام بضمان الحق في العمل بموجب الدستور ليس إلزاما مباشرا وإنّما الدولة ملزمة بالسعي لتوفير الظروف المرتبطة بالعمل.

وبيّن بن عاشور أنّه بعد 10 سنوات من الثورة مازالت المطالب الاجتماعية والاقتصادية تُرفع في مختلف الجهات لتباطئ النموّ الاقتصادي بعد الثورة بسبب تراجع دعم عدد كبير من المؤسسات العمومية الكبرى لميزانية الدولة أهمّهم  شركة فسفاط قفصة والخطوط التونسية والصناديق الاجتماعية.

وأشار بن عاشور إلى أنّ هذا التراجع في الدعم ساهم بنصيب كبير في عجز الدولة عن تحقيق ساهم بشكل جلّي في عدم قدرة الدولة على تحقيق المطالب الاجتماعية والاقتصادية.

وفي نفس الإطار، قال المقرّر العامّ لدستور 2014 في تصريحه لمؤسسة الياسمين للبحث والتواصل أن إنّ النّص الدّستوري تضمّن عددا مهمّا من الحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة وارتقى بالبعض منها لأوّل مرّة إلى مرتبة الحقوق الدّستوريّة، وقد بيّن هذا المكانة الّتي يوليها الدستور لهذه الحقوق.

وأكّد خذر ما جاء في قول الأستاذ بن عاشور –المعروض أعلاه-فيما يخصّ اختلاف الحقوق الاقتصادية والاجتماعية عن الحقوق السياسية. فالالتزام في الأولى محمولٌ على الدولة عبر بذل الجهد من أجل تمكين المواطنين من تلك الحقوق، وليس في ذلك التزام بتحقيق نتيجة معيّنة.

ونبّه خذر إلى أنّ الدّستور لم يكتف بإقرار الحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة وإنّما ضبط بعض الموجّهات من ذلك التّمييز الإيجابي وتحقيق العدل بين الجهات من حيث الحرص وتحقيق التّنمية المستدامة. وهي موجّهات من واجب الحكومات ضبط سياساتها عليها حتّى تتحقّق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

وأفاد مقرر الدستور بأنّ التقدّم في تحقيق المطالب السياسية في علاقة بضمان الحرّيات العامة وبناء دولة القانون وحرية التعبير يمكن أن تتقدّم بنسق أسرع خاصة عند وجود كتلة عامة في البلاد تدفع نحو هذا الاتجاه ونحو إقرار الحقوق السياسية.

مطالب تنتظر التحقيق

مازال التونسيون–بعد أن قضّوا عشرة أعوام في طريق الثورة- يأملون في تحقيق حصيلة أفضل خاصة المطالب التي لها علاقة مباشرةبحياتهم اليومية والمطالب التي رفعها الثوّار والمحتجّون وقت اندلاع الثورة مثل “التشغيل استحقاق”، و “شغل حريّة كرامة وطنية”.لكنّ بعض الخبراء في الشأن الاقتصادي وفي الشأن الاجتماعي يرى أن حكومات ما بعد الثورة اتخذت سياسات لم تكن ناجعة في علاقة بتوفير تلك المطالب رغم التقدّم في إنجاز بعض المشاريع.

وفي هذا الخصوص، قال الخبير الاقتصادي والأستاذ بالجامعة التونسية رضا الشكندالي في تصريح لـمؤسسة الياسمين للبحث والتواصل أنّ هنالك خمسةعومل تقف وراء عدم قدرة الدولة على الاستجابةإلى المطالب الاجتماعية والاقتصادية. العامل الأوّل سياسي ويتعلّق بمستوى تقدّم الانتقال الديمقراطي الذي حققت فيه تونس خطوات كبيرة جعلها الأولى عربيا رغم التقهقر التي عرفته في العام الأخير بعد التجاذب بين رؤوس السلطة خاصة رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان إضافة إلى التجاذب بين رئاسة الحكومة ومحافظ البنك المركزي على مستوى تمويل ميزانية الدولة وهو ما أنجرّ عنه اهتزاز الثقة بين رموز الدولة مما انعكس سلبا على ثقة المستثمرين والمواطنين التونسيينفي الدولة وما تنجزه منإصلاحات اقتصادية.

أمّا العامل الثاني–حسب الشكندالي- فهو يتعلّق بالاحتجاجات الاجتماعية التي تسببت في تعطيل قنوات انتاج الطاقة أهمّها البترول والفسفاط وعدم احترام القانون بسب ضعف حضور الدولة.

وتابع الخبير الاقتصادي أن العامل الثالث مرتبط أساسا بالوضع الصحّي المتعلّق بانتشار كوفيد-19  وقد نجمت عليه  عنه أزمة سياسية تمثّلت أساسا في تجاذبات بين رئاسة الحكومة والبنك المركزي وعدم ثقة بين البرلمان ورئاسة الجمهورية وكذلك بين رئيس الجمهورية ورئاسة الحكومة.

وأفاد الشكندالي بأن العامل الرّابع يتمثّل في تغوّل الإدارة وهيمنتها حيث أصبح الجميع يشتكي سوء معاملاتها خاصة المستثمر والمواطن التونسي وهو ما يفرض ضرورة إدخال إصلاحات عميقة وهيكلية.

وبيّن الشكندالي أن العامل الخامس هو عامل اقتصادي مرتبط بـثلاث سياسات انتهجتها تونس بتوصية من صندوق النقد الدولي تتمثّل في السياسة النقدية الحذرة وسياسة الصرف المرنة إضافة إلى السياسة الجبائية التوسعية.

وقال الخبير الاقتصادي إن السياسة النقدية الحذرة جعلت نسبة الفائدة تزيد بطريقة جنونية في 14 مناسبة في السنوات الأخيرة وهو ما يساهم في هروب المستثمر ويثقل ديون الدولة الداخلية، وبالتالي لم تقدّم هذه السياسة المنفعة لأحد ولم تنجح في التخفيض من التضخّم المالي.

كما بيّن أن سياسة الصرف المرنة أدّت إلى تراجع كبير على مستوى قيمة الدينار التونسي وأثّرت في جميع الأطراف وانعكست عليهم سلبا وساهمت في ارتفاع الأسعار خاصة في المنتجات المستوردة. وهو ما أدّى إلى نفور المستثمرين الذي أضرّ بالمواطن وكذلك بالدولة التي اضطرت إلى دفع مبالغ إضافية لتسديد الديون بعد تراجع قيمة الدينار.

أما السياسة الجبائيّة التوسعية، فقد وضّح الخبير الاقتصادي أنها أدت إلى ارتفاع في الجباية بسرعة كبيرة مقارنة بالدول الأخرى ممّا ولّد ضغطا جبائيا كبيرا لم يستفد منه أحد وأثقل كاهل الأجراء وأدى إلى تراجع المقدرة الشرائية وتزايد التهرّب الضريبي وبالتّالي تراجع الموارد الجبائية.

واعتبر الشكندالي أن هذه العناصر ستغيّر المنوال التنموي لأنّ التخفيض في نسبة الفائدة يشجع على الاستثمار الخاص، مبيّنا أنّ المنوال التنموي منذ الثورة ارتكز على القطاع العام الذي أصبح يضطلع بمهمّة التنمية والتشغيل.

من جانبه، اعتبر الرئيس السابق للمنتدى الاجتماعي والاقتصادي عبد الرحمان الهذيلي في تصريح لـمؤسسة الياسمين، أن المطالب الأساسية التي رفعت في الثورة كانت مطالب اجتماعية بالأساس لأن المنوال التنموي قد استنفذ فرصه منذ سنة 2000 وبدأت تظهر انعكاسات فشله في أحداث الحوض المنجمي في 2008.

وأضاف الهذيلي أن هنالك مشكلتين عانت منهما الثورة التونسية، هما عدم تغيير المنوال التنموي المنتهي الصلاحيّة، وعدم الاعتماد على كفاءات في تسيير الدولة وهو ما عمّق الأزمة الاقتصاديّة وجعل الدّولة عاجزة أمام مجابهة المشاكل الاجتماعية التي استفحلت على غرار الانقطاع المدرسي الذي قدّر بمليون شخص في عشر سنوات إضافة إلى تزايد الهجرة غير الشّرعيّة واستهلاك المخدرات وارتفاع نسب الإجرام.

وتابع أن الثورة التونسية مميّزة عن الثورات التي حصلت في العالم لأنها أطاحت برأس النظام وأبقت على المؤسسات والإدارات تعمل بشكل عادي. وبذلك فإنّ المصالح الحيوية في الدولة لم تسقط وهو ما يدحض فكرة أنّه من الطبيعي أن تعرف الدّولة صعوبات اقتصاديّة واجتماعيّة بعد الثورات وأن تكون في حاجة لسنوات من أجل تحقيق الاستقرار.

وشدد الهذيلي على أن التنمية لم يعد لها مكان في ميزانية الدولة في السنوات الأخيرة إذ أصبحت تقتصر على الأجور والمصاريف العمومية، معتبرا أن التجاذبات السياسية وعدم الوعي بالوضع الراهن وخطورة المرحلة ساهمت في تأزيم الوضع.

نقاط مضيئة وسط الصعاب

رغم الانتقادات التي توجّه إلى الحكومات المتعاقبة منذ 2011 وعدم قدرتها على الاستجابة للمطالب الشعبية التي رفعها التونسيّون أيّام الثورة وإبّانها، فإنّ هنالك عديد النقاط المضيئة التي يمكن أن يفتخر الشعب التونسي بتحقيقها خلال العشر سنوات الفارطة، من ذلك التقدّم في مجال الحريات وتحقيق المساواة بين أفراد الشعب والجهات، وتحقيق أغلب المطالب السياسية مثل التداول السلمي على السلطة وترسيخ الديمقراطية التي تعتبر الدعامة الأساسية نحو الرفاه الاجتماعي والتوزيع العادل للثروات.

كما يمكن التنويه بالترسانة القانونية التي تعتبر دعامة أساسية لتحقيق المطالب الاقتصادية والاجتماعية على غرار المصادقة على قانون الاقتصاد الاجتماعي والتضامني وكذلك قانون تشغيل من فاتت بطالتهم العشرة سنوات.

وفي هذا الصدد، ثمّن الناشط السياسي والنائب المؤسس سمير بن عمر في تصريح لـمؤسّسة الياسمينمكاسب الثورة وما حققته لتونس خلال الفترة الفارطة مبيّنا أن تونس تسير على الطريق الصحيح نحو تحقيق أهداف الثورة وانتظارات التونسيين.

وقال بن عمر أنّ الخيارات الأولى بعد الثورة كانت صائبة فخيار إرساء المجلس الوطني التأسيسي كان الأفضل حيث أتاح فرصة بناء تونس الجديدة بإعادة كتابة الدّستور وبناء مؤسسات التحوّل الديمقراطي.

وأضاف بن عمر أن ذلك كان ضروريا لأنّ الدّول الّتي تمرّ بثورات تكون مطروحة عليها مهمّة صياغة إعادة مؤسّسات الدّولة وهذا ما كان مطروحا في 2011، إذ كان توجها مناسبا جعل تونس تنجح في إعادة كتابة الدّستور وفي إعادة هيكلة مؤسّسات الدّولة على قواعد صلبة وصحيحة بدليل نجاحها في الانتقال الديمقراطي مقارنة بتجارب دول الرّبيع العربي التي أخفقت في المسار الدّيمقراطي وغرقت في الدّماء والفوضى.

وتابع بن عمر: “أعتقد أنّ تونس نجحت في الانتقال الدّيمقراطي في وقت فشلت فيه الدّول الّتي مرّت بنفس التّجارب خاصّة دول الرّبيع العربي الّتي تعيش حروبا أهليّة ومشاكل في إعادة بناء مؤسّسات الدّولة بينما نجحت تونس في خوض 4 استحقاقات انتخابيّة، وحدث انتقال سلمي للسّلطة في عدّة مناسبات، واستطاعت الدّولة إعادة بناء مؤسّساتها، في كنف السّلميّة وفي إطار التّوافق الوطني وهذا بالطّبع حدث مهمّ وفريد وتجربة تستحقّ أن تدرس.

واعتبر بن عمر أن الخطاب الّذي يلحّ على المطالب الاجتماعيّة والاقتصاديّة وربطها بأهداف الثورة فيه الكثير من المغالاة ومن التّجنّي لأنّ البلاد تسير في تحقيق إنجازات، لكن يجب أن يعلم الجميع أنّ الثّورات نتيجتها الحتميّة لا تؤدّي إلى الازدهار، وقطف ثمارها يستحق كثيرا من الوقت على غرار الثورة الروسية، التي عرفت بعدها البلاد مجاعات وانهيار اقتصادي واجتماعي غير مسبوق، وكذلك الأمر بالنسبة للثورة الفرنسية التي بقيت نصف قرن دون استقرار سياسي وساءت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

وأفاد بن عمر بأن الثّورة تؤدّي إلى شرخ داخل منظومة الحكم وهو ما يؤدّي إلى انتشار الفوضى وتراجع كبير على المستوى الاقتصادي والاجتماعي حيث تكون خلال الفترة الأولى الثّورة المضادّة الّتي تعمل على إجهاض الثورة ومنع النظام الجديد من فرض منظومته وهو ما يؤدّي إلى انتكاسة على بعض المستويات.

وأضاف أن ذلك ساهم في تباطؤ الخطى في تحقيق أهداف الثورة ولكن ستنتهي إلى تحقيق التغييرات المنشودة داخل المجتمع وإلى تحقيق الثورة لأهدافها.

وأضاف بن عمر أنه بعد 10 سنوات من الثّورة وبعد 7 سنوات من إقرار أوّل دستور جمهوري في البلاد لم يقع إلى اليوم تفعيل أغلب أبواب الدستور حيث لم تركّز أغلب الهيئات الدّستوريّة خاصّة المحكمة الدّستوريّة، إضافة إلى عدم تركيز الحكم المحلّي بالكامل طبقا لمقتضيات الدّستور.

وأكّد بن عمر وجود مقاومة شديدة من الدّولة العميقة ومن الثّورة المضادّة لمنع النّظام الجديد من الانتشار ومن تحقيق سيادته داخل المجتمع موضّحا أنّ الخطأ الحقيقي الّذي تمّ ارتكابه يتمثّل في عدم تحييد المنظومة القديمة بالكامل أثناء مرحلة الانتقال الدّيمقراطي وهو ما أدّى إلى عودة المنظومة القديمة بشراسة لإجهاض تجربة الانتقال الدّيمقراطي من أجل التّمهيد لإعادة سيطرتها على مفاصل الدّولة وعلى المجتمع.

حلول في حاجة لوحدة

إن استحضار ذكرى الثورة يحتّم على الجميع العودة إلى مطالبها الأساسية والسعي إلى إيجاد حلول حقيقية من أجل خروج البلاد من الأزمة الاقتصادية التي تعرفها منذ سنوات وتعمّقت بتفشّي فيروس كورونا الذي ساهم بشكل واضح في تراجع الاقتصاد الوطني أمام الكساد الذي تعرفه اقتصاديّات العالم بسبب التوقّف عن الإنتاج وإغلاق المطارات والموانئ.

وفي هذا الشأن، يشدد الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي على ضرورة تراجع الدولة عن السياسات التي اتبعتها منذ 2011 بإيعاز من صندوق النقد الدولي والتي تسببت في ارتفاع قيمة الفائدة على القروض وتراجع قيمة الدينار إضافة إلى إثقال كاهل المواطنين بالضغط الجبائي وهو ما ساهم في خسائر للدولة والمواطن وهروب المستثمر.

من جانبه، يرى القيادي في حركة النهضة والنائب المؤسس الحبيب خذر ضرورة تغيير المنوال التنموي وتفعيل القوانين المصادق عليها وتعديل القانون الانتخابي فضلا عن إجراء حوار وطني دون إقصاء.

وتابع خذر أنّ المنوال التنموي الجديد بدأ يتبلور شيئا فشيئا لأنّ المنوال التنموي لا يمكن وضعه في فترة وجيزة لكن البلاد تتحرّك عموما في اتجاه منوال تنموي مختلف ستجنى ثماره قريبا.

وقال الحبيب خذر إنّ الحديث عن المنوال التّنموي حديث تعميمي حيث تحققت بعض المنجزات والخطوات في اتجاه تغيير منوال التنمية على غرار إقرار قانون الاقتصاد الاجتماعي والتضامني والذي يعبّر عن منوال تنموي مختلف، كذلك الأمر ذاته بالنسبة لقانون الشركات الناشئة وقانون الصكوك الإسلامية الذي لم يفعّل إلى الآن رغم مرور سنوات على المصادقة عليه.

وشدد خذر على ضرورة تفعيل القوانين التي يتم المصادقة عليها من أجل التقدّم في المنوال التنموي الجديد والابتعاد عن الرفض الإيديولوجي لبعض القوانين لأنّها ستعطي جرعة من الأوكسجين للاقتصاد التونسي.

وأرجع خذر غياب الاستقرار السياسي وتعاقب الحكومات إلى النظام الانتخابي المعتمد مبيّنا أنّه كان مبررا في المرحلة التأسيسية التي يجب أن تكون توافقية من أجل كتابة دستور يمثّل الجميع ولكن هذا القانون لم يعد الخيار الأمثل عند البناء والإنجاز.

وأكّد خذر ضرورة إيجاد قانون انتخابي جديد برؤية مختلفة يمكن أن تساهم في فرز أغلبية قويّة قادرة على تحقيق الاستقرار وإنجاز الإصلاحات اللازمة، داعيا إلى وضع قانون انتخابي جديد في أقرب الآجال خاصة وأنّ المواعيد الانتخابية مازالت بعيدة.

واعتبر خذر أنّ الحلول ليست سحرية وإنّما تقتضي أن يلتقي الجميع من أجل المصلحة الوطنية وأن تستبعد اللّاءات والاستثناءات والشروط للتعاون من أجل إخراج البلاد مما هي فيه.

وقال إن إخراج البلاد من الوضع الصعب يتطلّب حوارا وطنيّا دون إقصاء ليلتقي خلاله الجميع على خيارات يقع تحويلها إلى واقع.

رغم العقبات والمخاطر التي واجهتها تونس بعد الثورة فإنّ بناء دولة ديمقراطية يتساوى أمامها الجميع وتضمن حرياتهم هي أوّل أسس التنمية في تونس فالديمقراطية مسار أخذ من الشعوب التي اعتمدته إلى والاستقرار والتنمية.

بقلم الصحفي محمد علي الهيشري

عن +

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى