الرئيسية / الحوكمة / السياسات العامة / 10 سنوات من ثورة “الحرية”… للحلم بقية

10 سنوات من ثورة “الحرية”… للحلم بقية

ثورة 17 ديسمبر / 14 جانفي بدا النصب التذكاري لبرويطة البوعزيزي ثابتا في مكانه وسط ساحة في مدينة سيدي بوزيد مهد الثورة التونسية بعد مرور عقد على اندلاع شرارتها اثر اضرام محمد البوعزيزي شهيد الكرامة النار في جسمه ونحت أعلى النصب التذكاري لعربة الشهيد “مانيش مسامح”  الذي رفع في تاريخ سابق الى جانب شعار “الشعب يريد” الذي كتب بخط متين 17 ديسمبر 2010 تاريخان وشعاران لخصا ببعض من الدهن الداكن ما يضمره شعب من غضب وارادة وحلم على مدى 10 سنوات بتمامها وكمالها، ولا تزال سيدي بوزيد الى اليوم احدى أفقر الولايات التونسية وفق دراسة بعنوان “خارطة الفقر في تونس” نشرها المعهد الوطني للاحصاء يوم 23 سبتمبر 2020 إذ كشف أن افقر معتمديات ولاية سيدي بوزيد تعاني من التهميش، غياب التنمية، تردي البنية التحتية، الانقطاع المبكر عن الدراسة، ارتفاع معدل البطالة، ماجعل المنطقة ترتفع فيها نسب التوجه الى النزوح الريفي والهجرة غير النظامية

تضم سيدي بوزيد معتمديات ذات معدلات فقر عالية على غرار بوزيان 39، المزونة 34،3 وجلمة 31،4

 وضع سيدس بوزيد التنموي يشبه وضع العديد من الولايات التونسية الاخرى التي لا تزال تشكو الى حد اليوم من مختلف مظاهر غياب التنمية الاقتصادية والاجتماعية وهو ما تعبر عنه مختلف التحركات الاحتجاجية التي تندلع بين حين واخر

رغم نجاح تونس فس التخلص من نظام زين العابدين بن علي بعد حكم استمر أكثر من عشرين عاما، وشروع التونسيين في تحقيق حلم التغيير والحرية ووضع البلاد على سكة المسار الديمقراطي الا ان البلاد مازالت تشكو الكثير من رواسب النهب والفساد التي تنخرالاقتصاد التونسي تعرقل انطلاق بناء نموذج تنموي عادل وشامل

 أكدت مجموعة من الشباب في لقاء مع فريق الاعلام والاتصال لمؤسسة الياسمين للبحث والتواصل  أن الشباب لا يرى أبرز الشعارات التي رفعت ابان سقوط نظام الرئيس المخلوع من نيل الشغل والكرامة قد تحققت

وقال غ.م من منطقة حي التضامن بتونس أن بعض الشباب يائس ومهمش  ويعاني من البطالة والعديد منهم يفضل الهجرة للخارج بحثا عن أفاق أفضل كما أن ظاهرة العنف وتعاطي المخدرات مرتفعة بسبب الأوضاع الاقتصادية الهشة التي اشتدت وطأتها مع تداعيات ظهور جائحة كوفيد 19

وبالرغم من المشهد القاتم بحسب المتحدث، فانه أقر بوجود مكاسب حقيقية لا يمكن التفريط فيها وهي الحراك الاجتماعي وقدرة الشباب على التعبير بكل حرية عن واقعه بدل الصمت والاستسلام

ومن جهتها توضح شابة في الثلاثينات من عمرها لمؤسسة الياسمين للبحث والتواصل، أن هناك مكاسب تحققت بعد الثورة التونسية من بينها حرية التعبير لكن البعض لم يفهم جيدا هامش الحرية وتجاوز حدوده في استغلال هذا المكسب الذي وصل الى حد اقامة الفوضى والعنف مستشهدة بالعنف بالعنف الذي  بمظاهر العنف يستشري  في الشارع والعنف السياسي الذي عانت من تبعاته البلاد والذي يبدو أيضا تحت قبة البرلمان ويعطل أشغال المجلس ويخلق حالة  من الفوضى تتسبب احيانا في تعطيل تمرير بعض القوانين

ومن جهة اخرى أكدت صحفية في اذاعة خاصة ن.ت لمؤسسة الياسمين ان من اسباب احباط الشباب الانتظارات الكبيرة من الثورة الى جانب التجاذبات السياسية التي جعلت الناس يشعرون بأن الأوضاع لا تتحسن إذ لم يكن للثورة عمليا مردود ملموس على التنمية الجهوية والخروج من عتبة الفقر. وتضيف الصحفية ان مما يفاقم هذه الأفكارهو التناول الاعلامي أو لنقول زاوية النظر التي لا تتناول في كل مناسبة،  سواءا تمرير قانون أو فصل دستوري او في المناسبات الوطنية، سوى الجوانب السلبية من الواقع  دون ذكر أو توضيح  كل الجوانب للموضوع المطروح او الاعتماد على مختلف وجهات النظر في دراسة للوضع الحالي وهو ما يتنافى مع اخلاقيات المهنة الصحفية

ما الذي عطل تحقيق الاهداف الاقتصادية والاجتماعية  10 سنوات من الثورة؟

يجمع كثيرون على ان الثورة التونسية حققت عدة مكاسب على الصعيد السياسي لكنها لم تنجح بعد في تحقيق المطالب الاقتصادية والاجتماعية كالتنمية والتشغيل التي تعد من اسباب انفجار الشارع التونسي في 2011.  

اعتبر المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي في تصريح صحفي أن هناك دعوات متعجلة تريد ان تحكم على الثورة التونسية بالخسران والانتكاسة الكاملة وبالفشل معتبرا في ذلك الكثير من التسرع وعدم التقييم بموضوعية

وتابع الجورشي انه رغم مرور عشر سنوات بعد الثورة ورغم الكثير من الصعوبات والمشاكل التي يشهدها الواقع الا ان مسار الانتقال الديمقراطي ما يزال قائما وبالتالي يجب التروي والانتظار لسنوات اخرى حتى نحكم انذاك حكما كاملا على مدى صلابة هذا الانتقال ومدى قدرته على النجاح وفق تعبيره

تعد الحريات في تونس احد اهم المكاسب التي أتت لها الثورة ومنها حرية التعبيروحرية الاعلام وحرية التنظم حيث تشهد البلاد منذ عشر سنوات حركية كبيرة يعبر عنها العدد الكبير للجمعيات واليقظة المستمرة الدفاع عن حقوق الانسان   واحترام الحد الادنى منها مع العمل على ترسيخ ثقافة المواطنة فكرها وهي من المكاسب الرئيسية التي حققتها الثورة

ثورة مضادة وضرب صارخ لمكاسب الثورة

   في مقابل النجاحات الحقيقية والتحديات الراهنة، لازالت قوى داخلية وخارجية تسعى لتغيير مسار الانتقال الديمقراطي الناشئ. تستثمر هذه القوى في الازمات والاخفاقات لتغذية سردية ترذل الصورة والحرية من جهة وتعمق الصراعات والشعوبية من جهة أخرى. ورغم هذه السردية في الواقع فرص النجاح في تونس حقيقية مشروطة بتحكيم العقل واجتماع كل الاطراف للعمل على بناء مستقبل افضل لتونس والخروج بها لبر الامان من الازمة الاقتصادية  والجلوس على نفس الطاولة للبحث في المشاكل الوطنية و تفكيك النزاعات.

  بعيدا عن التجاذبات السياسوية الضيقة نحتاج اليوم ان نثق في قدرتنا على صناعة تنمية اقتصادية شاملة معتمدين على قدراتنا وعلى الذكاء الجماعي بما يحقق نهوضا اقتصاديا وثقافيا ومجتمعيا. يصبح هذا ممكنا برسوخ الوعى بوحدة المصيرلكل أطياف الشعب التونسي بأهمية ان نكون “يد واحدة” في مواجهة أزمات واقعنا لنحقق تطلعات المواطنين التونسيين للكرامة والامن والعيش الكريم.

الدارس لمسار الثورات تاريخيا يدرك بوضوح انها مسار ديناميكي فيه تقدم وتراجع وكر وفر. مثلا في بداية سنة 1848 تحالف الثوار من اصحاب الاجندات الانتهازية والمصلحية لمواجهة الجماهير الشعبية في ايطاليا والمانيا واسقاط الديمقراطية، فكل ثورة معرضة لثورة مضادة هدفها استباق الاحداث وضرب المصالح والمكاسب على حساب الشعارات الشعبية ولئن كان واقع الثورات عبر التاريخ مليئا بالتعثرات والانتكاسات حين نركز النظر على المدى التاريخي القصير والآني الا ان التاريخ يعلمنا أيضا ان لا نحكم على مآلات ثورة بعد ١٠ سنوات من انبعاثها اذ ان تردداتها وديناميكيتها تظل فاعلة فعلها في التاريخ على المدى التوسط والبعيد بشكل عميق لا تخطئه العين وخاصة حين تنجح النخب في تحمل المسؤولية للتخلص من النموذج القديم لصورة الدولة وبناء فكر جديد يرتكز على التطور الفكري والنقد الإيجابي للذات وبناء الانسان.

عن +

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى