الرئيسية / الحوكمة / السياسات العامة / العنصرية ومشروع بورقيبة للمجانسة الاجتماعية

العنصرية ومشروع بورقيبة للمجانسة الاجتماعية

عرفت العنصرية اصطلاحا بأنه كل تعصب فرد أو فئة من الناس لجنس أو عرق أو قبيلة أو عشيرة أو دين أو طائفة أو معتقد أو حتى لون بشرة مما ينجم عنه ازدراء أو اضطهاد أو قتل الفئات الاخرى بدون وجه حق أو سبب واضح سوى انها تختلف عنه في جنسها أعرقها أو طائفتها أو لون بشرتها[1].

وحسب الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري يقصد بتعبير “التمييز العنصري” أي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفصيل يقوم علي أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الاثني ويستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها، علي قدم المساواة، في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو في أي ميدان آخر من ميادين الحياة العامة.

و لا تسري هذه الاتفاقية علي أي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفضيل بين المواطنين وغير المواطنين من جانب أية دولة طرف فيها و يحظر تفسير أي حكم من أحكام هذه الاتفاقية بما ينطوي علي أي مساس بالأحكام القانونية السارية في الدول الأطراف فيما يتعلق بالجنسية أو المواطنة أو التجنس، شرط خلو هذه الأحكام من أي تمييز ضد أي جنسية معينة.

كما لا تعتبر من قبيل التمييز العنصري أية تدابير خاصة يكون الغرض الوحيد من اتخاذها تأمين التقدم الكافي لبعض الجماعات العرقية أو الاثنية المحتاجة أو لبعض الأفراد المحتاجين إلي الحماية التي قد تكون لازمة لتلك الجماعات وهؤلاء الأفراد لتضمن لها ولهم المساواة في التمتع بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو ممارساتها، شرط عدم تأدية تلك التدابير، كنتيجة لذلك، إلي إدامة قيام حقوق منفصلة تختلف باختلاف الجماعات العرقية، وشرط عدم استمرارها بعد بلوغ الأهداف التي اتخذت من أجلها[2].

كما عرف القانون أساسي عدد 2018/11 يتعلق بالقضاء على جميع أنواع التمييز العنصري في الفصل 2 أنه يقصد بالتمييز العنصري على معنى هذا القانون كل تفرقة أو استثناء أو تقييد أو تفضيل يقوم على أسـاس العـرق أو اللـون أو النسـب أو غيره من أشكال التمييز العنصري على معنى المعاهدات الدولية المصادق عليها والذي من شأنه أن ينتج عنه تعطيل أو عرقلة أو حرما من التمتّع بالحقوق والحريات أو ممارستها على قدم المساواة، أو أن ينتج عنه تحميل واجبا وأعباء إضافيّة.[3]

يعدّ تمييزا عنصريا كل وضعية تنشأ عن أحكام أو تدابير أو معايير تبدو في ظاهرها موضوعيّة وينجر عن تطبيقها ضرر أساسه العـرق أو اللـون أو النسـب أو غيره من أشكال التمييز العنصري.

لا يعدّ تمييزا عنصريا كل تفرقة أو استثناء أو تقييد أو تفضيل بين التونسيين والأجانب على ألا يستهدف ذلك جنسيّة معيّنة مع مراعاة الالتزامات الدولية للجمهورية التونسية.

ولا تعتبر من قبيل التمييز العنصري التدابير الإيجابية الوقتية التي تهدف إلى ضمان التقدم الكافي للأفراد والمجموعات المحتاجين إلى الحماية لضمان تحقيق المساواة في التمتع بحقوق الانسان والحريات الأساسية أو ممارستها، شرط ألا تؤدي تلك التدابير إلى تكريس حقوق جديدة دائمة وقائمة بذاتها.

الضحايا يمكن أن يعانوا من أشكال متعددة أو متفاقمة من التمييز استناداً إلى أسس أخرى ذات صلة مثل الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو غيره أو الملكية أو المولد أو أي وضع أخر.

وتشكل العنصرية والتمييز العنصري، انتهاكات خطيرة وعقبات أمام التمتع الكامل بجميع حقوق الإنسان، وتمثل إنكاراً لحقيقة بديهية هي أن جميع البشر قد ولدوا أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق، وتعد عقبات أمام قيام علاقات ودية سلمية فيما بين الشعوب والأمم، ومن الأسباب الجذرية لكثير من النـزاعات الداخلية والدولية، بما فيها النـزاعات المسلحة، وما يترتب عليها من تشريد قسري للسكان.[4]

كما اعتبرت العنصرية بأنها ملاحقة، إذلال، تحقير، إظهار العداء أو عنف أو التسبب بأعمال ضد جمهور معين أو مجموعة من السكان وكل هذا الاختلاف في اللون أو التبعية لعرق أو الانتماء لعنصر قومي.

وقال نيلسون مانديلا على العنصرية بأنها الغطرسة التي تفرض حق استئثار أقلية السكان بالأشياء الجيدة في الحياة، وتحشر أغلبية السكان في وضع من التبعية والدونية، وتجعل منهم عبيداً لا صوت لهم يعملون ويتصرفون حسبما تأمر به الأقلية الحاكمة. وتؤيدني في تلك الكراهية الغالبية العظمى من البشر في هذا البلد وفي الخارج.

وتتناقض العنصرية تماما مع فلسفة حقوق الانسان لأنها تضع خصوصية الاعراق مكان كونية لحقوق الانسان، وتتبني تطورا في تسلسل هرمي للمجموعات البيولوجية وتستعيض بيه من المساواة وأخيرا تسجن العنصرية الفرد في مجموعة لم يكن حرا في اختيارها ولانتماء إليها ولا يقدر أن يخرج منها مقابل فردانيته.[5]

ويعرف التمييز العنصري تقليديا على أنه النظرية أو موقفا مؤسسا على ادعاء تفوق عرق أو مجموعة من الأشخاص من لون معين أو من يعض الأصول الأثنية من أجل تبرير الكراهية والتمييز العنصري.[6]

وتبنت بعض الجمعيات المدنية العاملة في حقل الدفاع عن ضحايا العنصرية تعريفات دقيقة للعنصرية على غرار منظمة الأمان الليبية بان العنصرية هي  السلوكيّات والمعتقدات الّتي تعلي من شأن فئة وتعطيها الحق في التحكّم بفئةٍ أخرى، وتسلب حقوقها كافّة كون الفئة الثانية تنتمي لعرق أو دين ما، فتعطي الفئة الأولى نفسها الحق في التحكّم بمصائرهم وبممتلكاتهم وبكينونتهم.[7]

العنصرية مارسته  الشعوب في مناطق شهدت مهبط الأديان السماوية والتي تدعو جميعها الى المساواة بين البشر، حيث تعرض سكانها الى كثير من الظلم عبر التاريخ، فالتاريخ زاخر بممارسات التمييز العنصري سواء في العالم الغربي وحتى العالم العربي.

هي ظاهرة قديمة ونجد دلائل عليها في المنحوتات والنقوش وحتى في الكتب القديمة لكن المعلومات الاهم والموثقة تتعلق بالقرون القليلة الماضية واكتشاف القارة الامريكية التي فاقمت ظاهرة العبودية، وما يكمن أن نسميه بعولمة العبودية، حيث كان بتم استغلال السكان الاصليين من جهة ومن جهة ثانية استجلاب الأفارقة  في أكبر حملة لتجارة الرق في تاريخ البشري.

وقامت أمريكيا على اضطهاد السود، فان العنصريّة موجودة في الولايات المتّحدة منذ الحقبة الاستعمارية، فقد أُعطي الأمريكيّون البيض امتيازات وحقوقاً انحصرت بهم فقط دوناً عن كلّ الأعراق الأخرى، مُنح الأمريكيون الأوروبيّون.

(خاصّة البروتستانت الأنجلوسكسونيون البيض الأغنياء) امتيازات حصريّة في مسائل التّعليم والهجرة وحقوق التّصويت والمواطنة وحيازة الأراضي والإجراءات الجنائيّة طوال التّاريخ الأمريكي، ومع ذلك، فكثيراً ما عانى المهاجرون غير البروتستانت من أوروبا، وخاصة الأيرلنديين والبولنديين والإيطاليّين، من حالة إقصاء الأجانب وغيرها من أشكال التمييز في المجتمع الأمريكي وذلك حتّى أواخر القرنِ التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.

بالإضافةِ إلى ذلك، واجهت مجموعات أميركيّة من الشرق الأوسط مثل اليهود والعرب تمييزًا مستمرّاً في الولايات المتحدة، ونتيجةً لذلك لم يتمّ التعريف ببعض الأشخاص الذين ينتمون إلى هذه المجموعات على أنّهم من أصحابِ البشرة البيضاء. كذلك واجه المهاجرون من جنوب وشرق آسيا التمييز العنصريّ في الولايات المتّحدة.

واشتملت العديد من المؤسّسات الرئيسيّة المبنيّة على الأساس العنصري والعرقي على العبودية والفصل العنصري، واحتجاز الهنود الحمر، ووضعهم في مدارس داخلية، وقانون الهجرة والتجنس، ومعسكرات الاعتقال.

 تمّ حظر التمييز العنصري الرسميّ بشكلٍ واسعٍ في منتصف القرن العشرين وأصبح يُنظر إليه على أنّه غير مقبول اجتماعيا وأخلاقيّاً، ولكن تبقى السياسة العنصريّة ظاهرة كبرى، ولا تزال العنصرية تنعكس في عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية ولا تزال الطبقيّة العنصريّة موجودة في التّوظيف والإسكان والتعليم والإقراض والحكومة.

كانت جمعية الاستعمار الأمريكية (American Colonization Society) في فترة عشرينيات وثلاثينيات القرن التاسع عشر هي الأداة الرئيسية التي تقدّم مقترحات إعادة الأمريكيّين السود إلى أفريقيا حيث يمكنهم التمتع بمزيد من الحرّيّة والمساواة و في عام 1821 م.

أنشأت الجمعية مستعمرة باسم ليبريا، التي ساعدت الآلاف من العبيد الأفارقة الأمريكيين السابقين والسود الأحرار (مع حدود تشريعية) على الانتقال من الولايات المتحدة كان المجهود الذي قدّمته الجمعيّة نتيجةً للعديد من الدوافع، فقد صرّح مؤسّس الجمعية هينري كلاي(Henry Clay) ” إنّ التحاملَ الذي لا يقهر، الذي يتعرض له السود بسبب لون بشرتهم يجعل من المستحيل أن يندمجوا مع المجتمع الأبيض في هذا البلد، كان الأمر مرغوباً لكن من باب الاحترام لهم ولبقية المجتمع يجب ترحيلهم”.

على الرغم من أنّ تجارة الرقيق في المحيط الأطلسي في عام 1820 كانت مساوية للقرصنة من حيث العقوبة في المحاكم فكلاهما كانت عقوبته الإعدام، إلّا أنّ العبودية كانت موجودة على مدى النصف قرنٍ التالي.

كان لتجارة الرقيق المحلّيّة نشاطًا اقتصاديًا كبيرًا في الولايات المتحدة استمرّ حتّى عام 1860 كان استعباد فرد من أفراد الأسرة من ذوات البشرة السوداء يعني انفصاله عن العائلة وعدم قدرته على رؤيتهم مرة أخرى أبداً تمّ نقل ما يقارب الـ 250 ألفاً من العبيد عبر خطوط الولاية بين عاميّ 1830 و 1840م. وفيما بعد في الخمسينيات من القرن التاسع عشر تم نقل أكثر من 193 ألف شخصٍ زنجيّ، ويقدّر المؤرخون أنّ عدد الزنوج الذين تعرّضوا للهجرة القسرية زاد عن المليون شخص

وصف المؤرخ آيرا برلين (Ira Berlin) هذه الهجرة القسرية للعبيد بـ “الممر الأوسط الثاني”، لأنها استنسخت الكثير من الفظائع التي حصلت في الممر الأوسط (Middle Passage) (الاسم الذي أُطلق على نقل العبيد من أفريقيا إلى أمريكا الشمالية). وقد تسبّبت عمليات بيع العبيد هذه في تفكيك العديد من العائلات، حيث كتب برلين أنّه سواء تمّ تهجير العبيد بشكل مباشر أو سوآءا انتظروا مصيرهم المجهول وعاشوا رعب التهجير القسري مع عائلاتهم، “فقد تعرّض السود لترحيلٍ هائل”.فقد الأفراد اتصالهم بالعائلات والعشائر.

فقد العديد من الأفارقة الأصليين وعبيد المستعمرات الأوائل الذين تمّ تجميعهم من قبائل مختلفة معرفتهم عن الأصول القبلية المتنوعة في أفريقيا فينحدر معظمهم من عائلات كانت موجودة في الولايات المتحدة لعدة أجيال

تمّ إعلانُ تحرير جميع العبيد في مناطق الولايات الكونفدرالية الأمريكية التي لم تكن تحت السيطرة المباشرة من حكومة الولايات المتّحدة وذلك وفق الإعلان الذي أصدره الرئيس ابراهام لنكولنمن عام 1863م على الرغم من أنّ الرئيس لنكولن كان معارضاً للعبودية فقد كان يعتقد أنّ الدستور لم يمنح الكونغرس سلطة لإنهائها وذكرَ في خطابه الأوّل كرئيسٍ للولايات المتحدة أنّه “ليس لديه أي اعتراض على جعل (الإعلان) واضحاً وغير قابل للتعديل” عبر تعديل كوروين  (Corwin

وصرّح لينكولن حول موضوع الحقوق المدنية والسياسيّة للسود “أنا لست ولم أكن في أيّ وقت مضى مؤيّداً لجعل الناخبين أو المحلّفين من السّود ولا للسّماح لهم بإشغالِ أيّ منصب ولا لأن يتزوّجوا من البيض، فأنا أؤيد الموقف المتفوّق للعرق الأبيض”.

لم ينطبق إعلان تحرير السّود على المناطق الموالية للاتحاد أو الخاضعة لسيطرته، ولم يتم إلغاء العبودية بشكلٍ فعليّ في الولايات المتحدة إلى أن تم اعتماد التعديل الثالث عشر الذي تم التصديق عليه في 6 ديسمبر 1865.

تمّ تحرير حوالي الأربعة ملايين من العبيد السود في عام 1865. عاش 95% من السود في الجنوب الأمريكي حيث كانوا يشكّلون ثلث تعداد السكّان هناك مقابل 1% فقط عاشوا في الشمال ولهذا السبب كانت المخاوف من تحرير العبيد السود أكبر بكثير في الجنوب منها في الشمال. توفّي في الحرب الأهلية الأمريكيّة 8% من الذكور الذين تراوحت أعمارهم بين 13 و43 سنة، 6% من سكّان الشمال و 18% من ذكور الجنوب وذلك استناداً إلى التعداد السكّاني الذي صدر عام 1860.

وبالنسبة للعنصرية عند اليابانيين، فبعد أحداث بيرل هابر عام 1941 وللأن المتسبب بها كانوا من اليابان، عانى البيانيون المقيمون بأمريكيا أو حتى الذين حصلوا على جنسيتها من شتى أنواع الاضطهاد تماما مثلما حدث مع المسلمين العرب عقب احداث الحادي عشر من سبتمبر فتم اعتقال ما بزيد عن 120 الف مواطن أمريكي ياباني وإرسالهم لمعسكرات معزولة عن المجتمع عاشوا فيها سنين عديدة حتى أن بعض الأجيال ونشأت هناك، كما عانوا اليهود في بداية وصولهم للولايات المتحدة الامريكية منذ 300 عام مضوا من بعض أشكال الظلم التي كانت تواجه ضد كل من لا يؤمن بالمسيحية، حيث منعت بعض الولايات الأمريكية في القرن الثامن العشر غير المسيحين من حق  التصويت او العمل بالمكاتب الحكومية العامة.

كما كان الحال في الولايات المتحدة الامريكية عمل المهاجرون البيض على إرساء مبادئ الظلم ضد سكان قارة أستراليا الأصليين فور بدء هجرتهم إليها في عام 1788 حيث اعتبر المهاجرون الأوروبيون ألا ملكية للأستراليين في أرضهم وأنها حق مكتسب لمن يضع يديه عليها ووجدوا في ذلك المبرر الكافي للسيطرة على كافة أراضي القارة وطرد سكانها منها، أثار ذلك غضب السكان خاصة بعد انتشار عدة شعارات يرددها الكثيرون مطالبة بإقامة سياج من الأسلاك الشائكة تفصل يبن أراضي البيض والسود.

لم تنقرض العنصرية بين ليلة وضحاها، بل استمرت لقرون حتى منتصف القرن عشرين، فقبل عام  1950 كان على أي مواطن أسترالي الأصل أن يعتمد على المعونات الغذائية المقدمة له وأن يمتثل للمواطنين الأوروبيين خوفا من تعرضه للاعتقال والسجن، حتى بعد أستراليا كدولة واحدة في 1901 لم يتم التعامل مع سكانها  الأصليين باعتبارهم مواطنين لهم الاهلية الكاملة، فلم بكن لهم الحق في امتلاك أرض أو شراء منزل أو حتى التصويت في الانتخابات.

كما عرفت دول الخليج ممارسات العنصرية من خلال تاريخها، فالبدون هم فئة من المواطنين في دول الخليج وبالأخص الكويت، لقبوا بالبدون لأنهم بدون جنسية فعلى الرغم من أنهم ولدوا وعاشوا في الكويت إلا أنهم لا يحملوا جنسيتها وكذلك لا ينتسبون لأي دولة اخرى.

وتظل تجربة جنوب أفريقيا المثال الأبرز في العنصرية فقد عاشت خلال القرن الماضي بما يسمى بالفصل العنصري أو أبرتايد  فهي كلمة افريقانية تعني حالة العزل أو الفصل فهو نظام مبني على التمييز والقمع والاستغلال ويخول للسكان البيض الذين يؤلفون أقل من خمس مجموع السكان أن يسيطروا على شؤون البلاد.

تبلغ نسبة الأراضي المخصص للأقلية البيضاء 87 في المائة أما السكان الأصليون فقد جردوا من أراضيهم ومواردهم الطبيعية وهم يعملون بأجور لأدنى من مستوى الفقر، وترمي سياسة الفصل العنصري إلى الاحتفاظ بجنوب افريقيا بلدا أبيض مما يوفر السيطرة المطلقة للبيض عن طريق التحكم والتفوق.

فقد ارتكز النظام بجنوب أفريقيا بتصنيف الانسان حسب عرقيه، وهناك أربعة فئات البيض من أصل أوروبي والإفريقيون البنتو من أصل أو قبيلة أو عرق افريقي وأسيويون من أصل أسيوي هنود و الباكستانيون والملوفون من أصل مختلط.

فحقوق جميع الأشخاص وحرياتهم محددة بحسب الفئة العنصرية التي صنفوا فيها وهو تصنيف يحدد لهم ما يمكنهم أن يفعلوا اين يعيشون وأين يعملون واي نوع من التعليم يتلقون واي حقوق سياسية يتمتعون بيها في حالة وجودها وبمن يتزوجون إنه وبصورة أعم تصنيف بحدد مدى ما لديهم من حرية عمل وتحرك.

الفئات العنصرية تعيش في مناطق مختلفة وتسافر في حافلات وقطارات مختلفة ويذهب أولادهم الى مدارس مختلفة ويؤممون أماكن مختلفة متل الكنائس والمطاعم ودور السينما والمسابح والنوادي والملاعب الرياضية يسيرون في مداخل ومخارج مختلفة وحدائق مختلفة فهو فصل بلا مساواة.

إذا المرافق الخاصة بالبيض تفوق المرافق الخاصة بالسود فلا يدخل افريقي منطقة الا اذا حمل إجازة مرور ولا يمكنه أن يقيم أكثر من 72 ساعة دون إذن بالعمل ولا قيم بمنطقة الا اذا كان يعيش فيها منذ الولادة أو اذا كان يشتغل بها لمدة عشر سنوات دون انقطاع كما لا يحق لأي افريقي أن يملك أرضا جميع البيض المنتجين مستخدمون، أما بالنسبة الأفارقة فالبطالة فيهم متفشية بحوالي2.9  بالمائة من السكان المنتجين اقتصاديا أي بنسبة أكثر من 25 بالمائة من السكان الافريقيين البالغين، كما يبلغ دخل الستة اضعاف دخل الافريقيين ويصل الى 20 ضعف في الميدان الزراعي وتبلغ عتبة الفقر التي لا يمكن المحافظة على الصحة والكرامة بما لا يقل عنها سنة 1986 واندا في الشهر وأي مستوى أدنى من عتبة الفقر.

 وتقدم الكتب المدرسية مجانا للبيض ومقابل مبالغ باهضة بالنسبة للسودة وأكثرهم يتركون المدرسة بعد بعض سنوات اذ لم يتعد معدل الافريقيين بالمدارس سنة 1975 5 بالمائة

وأفادت تقارير اليونسكو أن الكتب المدرسية المستخدمة في جنوب أفريقيا تعلم الافريقيين أنهم يحتلون مراكز دنيا في المجتمع في حين أنها تعلم البيض بأن الأوروبيين متفوقون أن الافريقيين بدائي منهمج.

وقوانين نضام الفصل العنصري تمتع المرأة السوداء من العيش في منطقة قريبة من مكان عمل زوجها والافريقيون والملونون لا يتمتعون عمليا بأية حقوق سياسية وبينت تحقيق الأمم المتحدة أن التغذية والمرافق الصحية والأسرة ووسائل الراحة بالسجون في حالة يرثى لها.

ومن المعاملات البشعة الشنيعة التي مارست ضد السود في شاري فيل في سنة 1960 قامت مظاهرات في عدة مناطق محظورة بالأفريقيين وكانت احتجاجات سليمة ضد فرص السجلات المرجعية فاطلقت الشرطة النار على المتظاهرين وبلغ مجموع الضحايا 69 قتيلا و180جريحا من بينهم نساء ورجال وأحياء لذكرى هذه الجريمة الشنعاء أعلنت الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة يوم 21 مارس اليوم الدولي للقضاء على التمييز العنصري ومن أهم بوادر التحول اطلق سراح الزعيم نلسن منديلا يوم 11 فيفري 1990 بعد خمس وعشرين سن من الاعتقال وبدأت اتصالات بين حزب المؤتمر وحكومة جنوب افريقيا الجديدة برئاسة لوكلار لإنهاء الفصل العنصري لمن معارضات عنيدة من المتمسكين يهذا النظام تحتم القضية .

تم الغاء الرق في تونس على ثلاثة مراحل لأولى كانت بإصدار أحمد باي في 6 سبتمبر 1841 أمرا يقضي بمنع الإتجار في الرقيق واستردادهم و بيعهم في أسواق المملكة التونسية، كما أمر بهدم الدكاكين الي كانت تباع فيها العبيد موجودة في سوق البركة ثم إصدار أمر في ديسمبر 1842 يعتبر كلّ من يتولد بالتراب التونسي، حرّ لا يباع ولا يتشرى ثم صدور أمر مكتوب لأحمد باي في 23 جانفي 1846، يقضي بعتق جميع العبيد في المملكة و إبطال العبودية نهائيا و كانت المملكة التونسية من أوائل البلدان في العالم، التي تتخذ قرار إبطال العبودية و الإتجار بالبشر وأكد زياد كريشان في وصفه للعبودية في تونس قبل إلغائها، أن معاملة الاهالي للعبيد كانت تتحلى “بالكثير من الانسانية واللطف والعطف”، التي لم ترتق إليها الولايات المتحدة الامريكية في تعاملها مع عبيدها في تلك الفترة، مشيرا إلى أن البعد الديني وانتشار القيم الاسلامية مهدا بشكل كبير لإلغاء العبودية في تونس من جانبه، أكد المؤرخ والأستاذ الجامعي عبد الحميد لرقش في مداخلة بعنوان “إلغاء العبودية في تونس سنة 1846″، أن إلغاء الرق بتونس جاء نتيجة قراءة في الظرفية المتوسطية وتفاعل النخب المحلية مع الافكار الليبرالية المتداولة في البحر المتوسط ومنها دور الجمعيات الناشطة في مجال الغاء الرق التي انطلقت خاصة من جزيرة مالطا، فضلا عن الوعي السياسي لأحمد باي بخطورة استغلال العبيد وتوظيفهم من طرف القناصل الاوروبيين في تونس
وأبرز، في ذات السياق الدور الكبير الذي اضطلعت به النخب الدينية في نشر قراءة تحريرية للإسلام وخاصة دور الشيخ ابراهيم الرياحي الذي وصفه بـ”الريادي” والذي كان آنذاك من “الأعلام” الدينية ويمثل “الأسوة ” لمن حوله من المسلمين، فكانت مساندته لموقف احمد باي في القضاء على الرق، “مهمة جدا” في تلك الفترة.

سعى بورقيبة من خلال سياسات حكومية لخلق نموذج قائم على أسبقية “التونسة” من أجل تخفيف الاختلافات الاجتماعية والثقافية المميزة للأمة التونسية الناشئة في ذلك الوقت. بالنسبة له، يمثل استمرار التحالفات العصبية ووجود مجتمع قائم على أساس القرابة أمرًا منافيًا لا لدمج التونسيين السود في جمع بشري محدد جزئيًا من خلال نظريات النقاء العرقي فحسب، بل كذلك لبناء الدولة بشكل عام.

فقد اعتبر بورقيبة ما كان يسمى بـ”جمهورية أبناء العمومة”  أنه مفهوم ليس فقط قديمًا وبائدًا، ولكنه يهدد أيضًا المشروع الوطني الحداثي لـ”التونسة”  الذي كان يهدف إلى مجانسة الشرائح الاجتماعية المختلفة وترسيخ الحس المشترك بالانتماء إلى أمة تونسية تتجاوز الانتماءات الدينية أو الأنساب الأبوية.

لتفكيك التجمعات القائمة على أساس القرابة وقوتها السياسية، شرع بورقيبة في وضع سلسلة من القواعد البيروقراطية الصارمة مع تعزيزها بتسلط أبوي  يتجسد في صورته كأب للأمة (الزعيم). إذ كانت الإصلاحات الكبرى وسياسات الدولة على غرار بناء البيروقراطية وتركيز نظام الحكم المركزي وسن قانون الأسرة التقدمي تهدف إلى تكريس نموذج الأسرة النواة وفصل الأفراد عن مجموعاتهم الأسرية الموسعة.

كما بدأ العمل بالألقاب المنسوبة للآباء في عام 1959 بناءً على سياسة وقع تبنيها لتجنيد التونسيين في الجيش الفرنسي خلال الفترة الاستعمارية. ثم أعيد إطلاق المشروع عند الاستقلال ليس فقط لإنشاء سجلات إدارية وإجراء تعداد سكاني، ولكن أيضًا لتعزيز شخصية تونسية وهوية تتجاوز ذوي القربى والبعد القبلي. بحلول أواخر الخمسينات، تم إنشاء لجان محلية كُلفت بمهمة إعطاء التونسيين ألقاب منسوبة للآباء وحذف الألقاب التي تعكس روابط القرابة “. علاوة على ذلك اقترن الإجراء بحملة لتنقيح  الألقاب التي استمرت حتى السبعينيات من القرن الماضي واستهدفت تلك التي جعلت من أصحابها موضع سخرية أو كان لها طابع غير مغاربي/تونسي يوحي بالغرابة  أو تستحضر تدرجات سابقة للرتب مثل تلك الخاصة بـ”الباي”. فعلى سبيل المثال، لم يُسمح للعائلة الحسينية التي حكمت تونس أثناء الفترة العثمانية (1705-1957) بالاحتفاظ بلقب الباي وأجبروا على حمل ألقاب مثل الحسيني أو بن حسين أو العادل بدلاً من ذلك

رغم ذلك وأثناء عملية تنقيح الألقاب العائلية وتغييرها، ترسخت وصمة العار المرتبطة باسترقاق السود. في حين تم تغيير بعض الألقاب مثل شوشان (العبيد العتقاء) إلى شعير والحمروني وزيتوني، فإن هذه الأسماء المكتسبة مؤخرًا لم تساعد التونسيين السود على إعادة بناء تصور جديد لأنفسهم. بدلاً من ذلك، أعادت الألقاب العائلية الجديدة استنساخ العلاقات الزبونية التي ربطت العبد وذرية السيد. ورغم أنها لم تعد تستحضر صراحة ذكرى العبودية أو الماضي العثماني الإمبراطوري الذي سعت الدولة إلى محوه، فإن هذه الألقاب الجديدة لم تفك ارتباط التونسيين السود بأسيادهم السابقين لأن تلك الألقاب لم تكن متأصلة بعمق في البنية القائمة على القرابة. وبالتالي، فإن انعدام علاقات القرابة لدى التونسيين السود كانت مضمنة إن لم تكن قد استمرت بشكل أكبر من خلال تبني ألقاب أسياد أجدادهم

هذا ولم تتم معالجة وصمة فجوة الأنساب التي تميز الأصول السوداء باعتماد ألقاب أسيادهم. كما تم في بعض الأحيان تغيير هذه الألقاب المنسوبة للآباء إلى ألقاب تُذكّر مباشرة بتاريخ استرقاق السود في البلاد

ولئن تعتبر اليوم بمثابة الإهانة، فقد أصبحت الأسماء التى تستدعي نعوتًا تشير إلى المركز الاجتماعي الموروث للسود تمثل شارات استعبادهم وهي موثقة جيدًا في الأوراق الرسمية للدولة كشهادات الميلاد وبطاقات التعريف الوطنية[8].

يمكن اعتبار مشروع الدولة للمجانسة قد نجح في تقليص الاختلافات وإضعاف التحالفات القائمة على القرابة التي كانت ستعرقل عملية إدماج التونسيين السود ولكنه فشل في إبراز معاناتهم التاريخية بصفتهم أقلية عرقية في تونس. كما لم ينجح في محو فكرة العبودية من الذاكرة الجمعية بل فاقم التمييز العنصري المُمارس عليهم باعتبار أنهم أحفاد العبيد. وفي ظل سعي الدولة إلى إنتاج شعب ما بعد كولونيالي متجانس، بقي التونسيون السود عرضة للتمييز الذي لا يزال يمارس من خلال الثقافة العامية وحتى في الوثائق الرسمية التي يفترض أنها تشهد على جنسيتهم التونسية. واليوم لا يزال إرث العبودية حاضرًا ويصعب محوه من الذاكرة الوطنية الرسمية ومن التاريخ وكذلك من خلال الدلالات اللفظية المهينة التي توحي بها ألقاب التونسيين السود. إن استمرار الممارسات من قبيل التنابز بالألقاب المهينة والنسب التي عفا عنها الزمان، ما هو إلا دليل على شدة وطأة ماضي الرق المسكوت عنه وعنصريته وعلى ازدراء اللون الأسود الذي عادة ما يُربط بالعبودية في قارة يفترض أن يكون فيها اللون الأسود متأصلًا باعتباره جزءًا لا يتجزأ من هويتها.


[1] تعريف العنصرية في المعجم العربي

[2] الاتفاقية الدولية للقضاء على أشكال التمييز العنصري، المادة1، الصفحة 1

[3] القانون الأساسي عدد 50 بتاريخ 22 أكتوبر 2018 يتعلق بالقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري

[4] المؤتمر العالمي لمكافحة العنصرية والتمييز العنصري وكره الأجانب وما يتصل بذلك من تعصب، منشورات إدارة شؤون الاعلام بأمم المتحدة نيويورك2003،الصفحة 16

[5] Haarscher (Guy) : « Liberté d’expression, blasphème, racisme : essai d’analyse philosophique et comparée », WorkingPapers du centre Perelman de philosophie du droit, n°2007/1, p.21

[6] Salomon (J.) (dir.) : Dictionnaire de droit international public. Bruxelles Bruylant 2001, p.922

[7] الصفحة الرسمية لمنظمة الأمان الليبية لمناهضة العنصرية

[8] ترجمة من إعداد حسام بن الأزرق وحسام الجبالي لورقة بحثية من إعداد عفيفة اللطيفي من جامعة كورنال الأمريكية. نشر المقال بالإنجليزية مع Project on Middle East Political Science.

عن +

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى