الرئيسية / الحوكمة / السياسات العامة / ما مصير التعليم في تونس؟

ما مصير التعليم في تونس؟

يستمرّ الجدل في تونس حول مواصلة الدروس من عدمه، بعد تصاعد الإصابات  بفيروس كورونا والخوف من  ارتفاع  نسبة العدوى في المؤسسات التربوية  رغم البروتوكول الصحي الذي يجري تطبيقه، وفرض التباعد الجسدي بين التلاميذ داخل الحصص.
ويطالب بعض الأهالي بضرورة استمرار الدروس في كلّ الحالات، والاكتفاء بتعقيم المدارس التي تثبت فيها الإصابات، رافضين مناقشة إمكانيات تعليق التعليم بسبب الجائحة الصحية خوفاً على المستقبل الدراسي لأبنائهم، فيما يطالب آخرون بحماية التلاميذ والغلق الشامل للمؤسسات التعليمية، إلى حين مرور الموجة الثانية، للخروج بأقلّ الأضرار.
ويعتبر المتمسّكون باستمرار الدروس في ظلّ الجائحة الصحية، أنّ وقف الدروس لا يقلّل من خطر الوباء، في غياب مؤشّرات عن إمكانية انتهاء الأزمة في آجال قريبة مطالبين بالتعايش مع الظروف الصحية الجديدة والتشديد في تدابير الوقاية.
في المقابل يرى آخرون أنّ سلامة الأطفال وعائلاتهم أهمّ من التعليم في هذا الظرف لا سيما في ظلّ الارتباك الرسمي في تطبيق مواعيد الدروس.

منذ الاستقلال كانت المدرسة في تونس من الرهانات المجتمعية المهمة حيث اتخذت الدولة الفتيّة في تللك الفترة توجهات نشر التعليم بكثافة من الشمال إلى الجنوب، إيمانًا منها بأن المدرسة هي رمز رقي المجتمع وعنوان تحضره ورأس ماله وثروته الدّائمة أمام تأثيرات الجهل والتّخلّف.

ذهبت تونس في تللك الفترة نحو إلغاء التعليم التقليدي وأنشأت التعليم النظامي العصري وجعلته عموميًا وإجباريًا على جميع أبناء الشعب التونسي، وهو ما أوردته في دستور الجمهورية الأولى

وأقدمت دولة الاستقلال على اتخاذ قرارات تتعلق بالتعليم وخاصة بعموميته ومجانيته مع اول رئيس الجمهورية التونسية الحبيب بورقيبة الامر الذي  وصفه البعض بالمغامرة السياسية التي لا تزال تبعاتها جلية الى اليوم إذ أن عمومية التعليم تكلّف الدولة تقريبًا ما يفوق 20 في المائة من ميزانيتها السنوية، وهو ما جعل العديد من السياسيين الذين تحملوا حقائب وزارة التربية والتعليم العالي والتكوين المهني يقرون بالعديد من الصعوبات جرّاء العمومية والمجانية

منذ تولّى زين العابدين بن علي الحكم وانتهاجه لخيارات تنموية واقتصادية قامت الدولة التونسية منذ بداية التسعينيات وخاصة مع ما عرف بإصلاح   محمد الشرفي وزير التربية والتعليم العالي بين 1989 و1994 بإحداث تعديلات جزئية في قطاع التربية والتعليم.

ومن بين التعديلات المُحدثة الذهاب في اتجاه خوصصة العديد من الجوانب في المنظومة التربوية منها ما يتعلق بفسح المجال واسعًا للمستثمرين حتى ينشئوا مدارس ابتدائية خاصة (إلى حدود سنة 1987 بُعثت حوالي 200 مدرسة)، والتخلي تمامًا عن الانتداب المباشر للمدرسين في التعليم الثانوي وظهور مناظرة الكفاءة البيداغوجية المعروفة بـ”الكاباس” في أواسط التسعينيات

لكن في ظل المزيد من التغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي يعيشها المجتمع التونسي منذ سنوات ، يبدو أن المشهد التربوي اليوم قد هبت عليه هو الآخر رياح شديدة القسوة حيث أصبحت المدرسة في العراء بلا سند سياسي ولا خطة استباقية في ظل انتشار الوباء كورونا  وكأن الجائحة عرت المستتر من مشاكل ونقص في المؤسسات التربوية كما كشفت ضعف البرامج البيداغوجية حيث أصبح المواطن يبحث على التعليم الخاص لعله ينقذ ابنه من كابوس التعليم العمومي سوآءا على مستوى المحتوى التعليمي او على مستوى التنظيم والإدارة.

 ألاف التلميذ يدرسون بالقطاع الخاص  فلم يعد التوجه إلى التعليم الخاص مقتصرًا على العائلات الميسورة، بل وهو خيار يلجأ اليه الكثير من التونسيين نتيجة وضعية التعليم العمومي في الفترة الاخيرة.

فما مصير تلاميذ المدرسة العمومية بعد سنوات مع دروس لم تكتمل منذ السنة الفارطة ومحتوى تعليمي ضعيف؟ وما الذي ستتخذه الحكومة من إجراءات لاصلاح ما كشفته الكورونا من مشاكل في البنية التحتية للمدارس وابسط متطلبات التعلم في ظروف آمنة وسليمة بالمدارس؟ وهل ستحمي الدولة التعليم العمومي الذي بنيت عليه تونس الحديثة ام اننا نتجه نحو خوصصة التعليم لتحسين المستوى التعليمي في تونس بما لذلك من تبعات على تساوي الفرص بين التونسيين وعلى بنية المجتمع التونسي؟

عن +

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى