الرئيسية / الاقتصاد والتنمية / عندما تتحوَل أمطار الخير إلى كابوس..

عندما تتحوَل أمطار الخير إلى كابوس..

كشفت لنا الأمطار الغزيرة المنهمرة هشاشة البنية التحتية للبلاد، فبنيتنا التحتية لم تصمد أمام مليمترات من المياه. فالأمطار أصبحت هاجسا لدى المواطنين، كلَما تهاطلت الأمطار تعطَلت مصالحهم.

عديدة هي الأسباب التي جعلت من أمطار الخير مصدر خوف وجزع لدى المواطنين، ولعلَ أبرزها هو الخلل الحاصل في تركيبة قنوات صرف مياه الأمطار وقنوات الصرف الصحي، فمآزيب مياه الأمطار أصبحت تصبَ في قنوات الصرف الصحَي وذلك لضيقها ما يتسبَب في فيضان البالوعات وانتشار الروائح الكريهة وتراكم الأوساخ وبقايا الأتربة، فتجرفها مياه الأمطار وتسدَ بذلك قنوات صرف مياه الأمطار. ففي ولاية منوبة على سبيل المثال، هناك تدخلات عديدة لجهر مجرى وادي قريانة وقنال قصر السعيد وتنظيفهما، ولكن الأمطار الأخيرة تسبَبت في سقوط مواطنة في وادي قريانة بعد أن جرفت مياه الأمطار سيارتها على مستوى شارع أولاد حفوز. ولكن السلط المحلية بمعتمدية الحرايرية تمكَنت من إنقاذها.  كما انغمرت شوارع سوسة أيضا بمياه الأمطار، ما تسبَب في شلل الحركة والجولان. حيث فاضت المياه بمدينة حمام سوسة ولم تتمكَن بلدية حمام سوسة من جهر قنوات صرف مياه الأمطار.

 صحيح أنَ مسؤولية قنوات تصريف مياه الأمطار في الأحياء السكنية تعود للبلديات، ولكن المواطن أيضا يتحمل المسؤولية من خلال الحفاظ على نظافة مدينته، فالفضلات الملقاة في الشوارع هي السبب الرئيسي في سد البالوعات عند هطول الأمطار فتكون النتيجة جريان المياه في الشوارع.

من جهة أخرى، نلاحظ زحف البناء على الأراضي والبناء الفوضوي في الأماكن المنخفضة ومجاري المياه. ولعلَ استهانة المواطن وتعمدَه البناء في هذه الأماكن وعدم احترام أمثلة التهيئة العمرانية يؤدَي إلى تضرَر المنزل وانغماره بالمياه. ويتحتَم على البلديات في هذا الصدد أقلمة أمثلة التهيئة العمرانية في المجال الحضري بما ينسجم مع حاجيات المواطن. إذ يندرج التخطيط الحضري ضمن نظرة البلدية المستقبلية ومقاربتها الاستراتيجية للتنمية المستديمة، ولا يمكن تحقيق ذلك إلاَ من خلال تعميق التفكير في الخصوصيات العمرانية للمدينة والسياسة البيئية الواجب توخيها.

فعامل البناء الفوضوي في أماكن غير مرخص بها وغير مهيئة يعمق من ظاهرة الفيضانات. إضافة إلى أنَ الدولة متهاونة في وقف البناء العشوائي نظرا لضعف إمكانياتها في توفير سكن آمن لشريحة كبيرة من المواطنين وعلى رأسهم “النازحون”، فهناك أرقام تحدثنا بنزوح 2 مليون نسمة إلى العاصمة منذ 2011، وقد سجَل العالم رقما قياسيا في ظاهرة اللَجوء أو النزوح، حيث أعلنت الأمم المتحدة في تقريرها السنوي عن اللاجئين حول العالم، أن ما يقارب 80 مليون شخص أي ما يعادل واحدا بالمئة من سكان غادروا منازلهم حتى نهاية عام 2019، وهو رقم قياسي يتوج عقدا “عاصفا” من النزوح.

بالإضافة إلى ذلك، تونس تشكو من غياب رؤية استشرافية في إنجاز مشاريعها لتتناغم مع مسارات سيلان مياه الأمطار، ما يستدعي ضبط استراتيجية لمجابهة الفيضانات، بالإضافة إلى أقلمتها مع التغيَرات المناخية التي تعيشها تونس كما مختلف أنحاء العالم.

كما أنَ التقلبات المناخية التي نعيشها من الحرارة الشديدة إلى الأمطار الغزيرة تتسبَب في جفاف أو فيضان. حيث أصبحت حالة الطقس شديدة التقلب، تحت تأثير التقلبات المناخية، كلَ تلك الأسباب تجعل بلادنا تعيش كابوس الفيضانات كلما نزلت أمطار حتى إن لم تكن غزيرة.

يمكن القول بأنَ كلَ هذه المشاكل تشير إلى أن تونس الكبرى بحاجة ماسَة إلى سياسات عمرانية وأمثلة تهيئة عمرانيَة جديدة تأخذ بعين الاعتبار النمو السكاني والتوسع الجغرافي.

بقلم: إشراق بن حمودة مكتب الإعلام والاتصال

عن +

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى