الرئيسية / الحوكمة / حوار مع السيد رئيس بلدية بنزرت د.كمال بن عمارة

حوار مع السيد رئيس بلدية بنزرت د.كمال بن عمارة

تعتبر البلديات الحلقة الهامة في مستوى تنظيم الشأن المحلي، باعتبارها الهيكل الرسمي الذي ينظم الشأن المحلَي ويلجئ إليه المواطنون لإيجاد حلول لمشاكلهم، فضلا عن انتهاج الدولة لمسار اللاَمركزية، الذي يتيح للبلديات سلطات هامة في إدارة شؤونها، وفي إطار التوقي من جائحة كورونا كانت البلديات سبّاقة في إيجاد حلول استباقية، وائمت بين التوقي بفرض الحجر الصحي، والمقاربات الاجتماعية للإحاطة بالفئات المتضررة من الحجر الصحي.

94036507_2621141148146034_6129819866502266880_nجمعنا في هذا الإطار حوار مع السيد رئيس بلدية بنزرت الدكتور كمال بن عمارة، للتحاور معه حول استراتيجية البلدية في هذا الظرف الصعب ومعرفة رؤيته التقييمية لمسار اللاَمركزية الذي شرع في تنفيذه منذ ما يقارب السنتين، باعتباره رئيس بلدية هامَة واستراتيجيَة تجمعنا بها اتفاقية شراكة وبصفته كعضو مجلس تأسيسي واكب مراحل مهمة من تاريخ تونس الحديث.

تميَزت بنزرت على المستوى الوطني بانتهاجها استراتيجية استباقية للتوقي من جائحة كورونا، فقد كانت الأولى على المستوى الوطني في عديد من الإجراءات، كإيقاف الرحلات السياحية، والرحلات التجارية من وإلى بنزرت، الأمر الذي جعل عديد المناطق تنتهج نفس تمشيها.

استراتيجية الأرض المحروقة على الفايروس

téléchargement (2)استراتيجية كما وصفها الدكتور كمال بن عمارة عملت على الاستباق ومحاصرة الفايروس، كانت عنصر نجاح جعلت بنزرت تتجنب ارتفاع عدد المصابين وعديد المخاطر الصحية، الأمر الذي جعل عملها أكثر أريحية وتميزت بمجالات عمل متنوعة.

على المستوى الصحي/الوقائي

بدأ محدثنا الدكتور كمال بن عمارة بوصف استراتيجية البلدية بسياسة الأرض المحروقة على الفايروس، حيث استبقت البلدية عبر مصالحها المختصة وقامت بإيقاف أنشطة لطبيعتها توقيا من خطر العدوى، كما نظمت الحركة داخل الفضاءات التجارية، واستبقت أيضا منذ البداية بحملات تعقيم بكافة دوائرها وشملت جميع الأحياء، حيث يقول محدثنا ” كنّا سبّاقين بانتهاج سياسة التوقي فبادرنا بالقيام بحملات التعقيم بصفة مستمرة وحرصنا على أن تشمل كامل تراب البلدية لأهمية الحفاظ على الصحة العامة بالجهة” كما يضيف   أن عمليات التعقيم أيضا شملت عديد الإدارات الجهوية والمراكز الأمنية التي تفاعلنا مع طلباتها الواردة علينا بصفة آنية.  لقد قامت المصالح البلدية ببنزرت بحملات التعقيم بصفة يومية حيث استنفر الجميع لتغطية مجال واسع من البلدية، ساعدنا في ذلك توفَر الإمكانيات، بالإضافة لسعينا لاقتناء معدات إضافية لمزيد إضفاء نجاعة على الأداء. يواصل محدَثنا في علاقة بتحسين جودة الأداء ” لقد تمَ التفاعل مع مبادرات الشباب، تمثلت في تطوير طريقة التعقيم، لتصبح أكثر نجاعة باعتماد طريقة ” الرذاذ ” التي تجعل مواد التعقيم تصدر كالدخان وتصل بدقة عالية لأماكن أكثر عمق، وهي مبادرة نموذجية أثبتت نجاعتها.

على المستوى الاجتماعي

أثَرت جائحة الكورونا على المستوى الاجتماعي أيضا، حيث تضرر عدد كبير من الحجر الصحي العام، يقول محدثنا ” رسمت البلدية استراتيجية خاصة، علما وأنّ لها دور اجتماعي نظمته مجلة الجماعات المحلية، ساعدها في نجاح استراتيجيتها توحيد الجهود المختلفة لتشمل المساعدات أكبر عدد ممكن، فقد وضعت منظمات وجمعيات كبرى ومتبرعون ثقتهم في البلديات مثل  الكشافة، الهلال الأحمر، جمعية البر والإحسان  وجمعيات أخرى، لتأكدهم من قدرة البلدية على إدارة الأزمة، ولامتلاكها وسائل عمل منهجية وقاعدة بينات واسعة تم تحيينها بصفة سريعة، قد تم بالفعل الوصول لأكبر عدد ممكن من المتضررين من هذه الجائحة ، وفي هذا المستوى وجب الإشارة للعمل المتميز الذي تقوم به مصلحة الشؤون الاجتماعية التي تحظى بمصداقية كبيرة لدى فئات المجتمع المدني ببنزرت”.

الاستراتيجية الإعلامية

أشار السيد رئيس بلدية بنزرت لملامح الاستراتيجية الإعلامية التي انتهجتها البلدية، من بلاغات و بيانات تم تنزيلها على مختلف الوسائط الإعلامية لشرح مختلف الإجراءات التي تم اتخاذها و التي سبقت حتى استراتيجية السلط المركزية، فقد تم اعتماد البلاغات المكتوبة، كما تم أيضا التواصل من طرف الرئيس نفسه عبر فيديوهات يخاطب فيها متساكني الجهة وصفها بأنها ” تقنية بيداغوجية تقوم على التطمين و بعث الثقة في المواطنين بالقرب منهم و شرح القرارات المتخذة ” كما تم أيضا مخاطبة المتساكنين عبر مكبرات الصوت التي انتقلت لمختلف الشوارع والجهات لإيصال المعلومات اللازمة وحثهم على مزيد الالتزام بمقتضيات الحجر الصحيّ العام، حيث ساهمت هذه الاستراتيجية بقدر كبير في ضبط الأمور ببنزرت، التي يعتبر متساكنوها أكثر التزاما مقارنة بمناطق أخرى.

تفاعل بلدية بنزرت مع الرافضين لدفن موتى الكوفيد

عرفت بنزرت حادثة كانت الأولى من نوعها، تتمثل في رفض عدد من المتساكنين القريبين من المقبرة لدفن امرأة متوفاة بالفايروس ـ رحمها الله ـ حيث عمد هؤلاء إلى منع عملية الدفن، وقد سعت السلط المحلية لمحاورتهم في بادئ الأمر لإقناعهم بأنه لا يوجد أيّ خطر على صحتهم، ويعلق محدثنا على هذه الحادثة بالقول ” لمّا لمسنا تعنَتا لديهم، بعد محاورتهم والسعي لإقناعهم بحجج علمية، اتخذنا إجراءات صارمة للقيام بعملية الدفن، وتم التعامل بما يقتضيه القانون وأشار هنا أنّ “دولة القانون يمكنها ضبط الأمور بما لا يتنافى مع مبادئ الديمقراطية، حيث للديمقراطية آليات لضبط النظام ”

مقاربة بلدية بنزرت لمكافحة الفساد

تعرف الأسواق حركية نوعية في شهر رمضان، ترافق هذه الحركية كثرة التجاوزات، من هذا المنطلق فكرت البلدية في إيجاد آليات ناجعة ومشتركة، حيث اقترحت القيام بتجربة نموذجية ونسَقت مع مصالح التجارة والصحة الجهوية والسلط الأمنية والمكتب الجهوي لمكافحة الفساد بالإضافة لمصالح الشرطة البلدية، حيث يشترك جميعهم في امتلاكهم للضابطة العدلية. وقد تكونت مجموعة ضبط  لمكافحة الفساد  تقوم بحملات مراقبة مشتركة، لمعاينة الأسواق والمحلات ومسالك التوزيع لضبط الأمور ورفع المخالفات في حال وجودها بصفة مشتركة لتلافي الثغرات الشكلية التي قد توجد، وتجعل من الطعن فيها يبطلها، وتذهب الجهود سدى. أتت هذه الفكرة بحسب محدثنا لتعزيز مقاربة البلدية في مكافحة الفساد نحو أكثر نجاعة وعمق.

نقاش استراتيجية البلدية في هذه الأزمة، قادنا نحو موضوع تقييم مسار اللامركزية، خصوصا بعد حوالي سنتين من بداية تنفيذها، كما استفدنا من رؤية الدكتور كمال بن عمارة، علمنا وأنّه سبق أن كان عضوا بالمجلس التأسيسي، عاين مراحل مختلفة من التاريخ الحديث خصوصا في الجانب التشريعي التأسيسي.

اللاَمركزية بين التشريع المأمول والتطبيق المنشود

استهل محدثنا الإشارة لمبادئ بالدستور التونسي الدستور “مبدأ اللاَمركزية و التدبير الحرّ ” الذي فصلته مجلة الجماعات المحلية، ويقول في هذا السياق أنَ البلديات تتمتع بالشخصية القانونية والإدارية والمالية وبالاختصاص المبدئي في ممارسة السلطة الترتيبية  في مجال اختصاصها وفق مبدأ التدبير الحر مع احترام وحدة الدولة ، وهي بذلك لا تخضع  لسلطة إشراف مركزية  ولا لسلطة جهوية وتتمحور وظيفة السلطات المركزية في تسهيل ومعاضدة عمل البلدية “، يضيف في جانب التحديات قائلا ” تواجه التجربة عموما تحديات تتمثل في مدى قابلية تطبيق عدد من النصوص على الواقع، فيوجد بعض التصرفات الصادرة عن السلط المركزية و الجهوية الناتجة عن سوء فهم و عدم القدرة على استيعاب هذه الفلسفة الجديدة، حيث أحدثت بعض التحديات على أرض الواقع، وهو أمر طبيعي جدا في ظل مرحلة انتقالية، من نظام يعتمد على المركزية و اللامحورية نحو نظام تأسس على اللامركزية ”

يعلَق محدثنا حول أهمية البلدية خصوصا في هذه المرحلة: ” أثبتت الأزمة أن للبلدية دور حيويّ، فقد بقيت صامدة، بالإضافة للمرافق الصحية والأمنية، تقدم خدمات ضرورية لا يمكن التخلي عنها، ولو لم تكن للبلديات القدرة على الاستمرار، لما تمكنت الدولة من تفعيل استراتيجيتها الوطنية بهذه الفاعلية، لما حدث ما لا يحمد عقباه” وهو ما يكسبها أهمية في محيطها ويجعل من دعمها بمزيد التنظيم على المستوى القانوني، كما على مستوى الإمكانيات أمر هام، لما له من انعكاس على تحقيق التنمية، والمساهمة في تحقيق المطالب المجتمعية.

قادنا نقاش الإطار القانوني المنظم لعمل البلديات للتطرق لأهم العوائق التي تواجه البلدية وهنا صرحّ د. كمال بن عمارة ” إنّني بصدد إعداد تقييم شامل للمسار برمَته، يشمل مدى فاعلية تطبيق النصوص على أرض الواقع، حيث أثبتت الوقائع نجاعة نصوص وفرضت ضرورة تحسين نصوص أخرى، لأنها شكلت عوائق في العمل” ويقول في هذا الإطار ” الرؤيا التي أعدّها تشمل مقترحات واقعية لتحسين المسار بتعديل النصوص بما يلائم الواقع، على سبيل المثال لا بد أن تكون الشرطة البلدية تحت سلطة رئيس البلدية و هو أمر معمول به في النظم الديمقراطية التي اختارت المسار اللامركزي، بالإضافة إلى وجوب اصدار عدة نصوص ترتيبية من شأنها توضيح القوانين ونظام العمل، بما يوضح أكثر الصلاحيات، ويجنبنا التداخل بين مختلف الهياكل، وأنه ليس من الجيد ترك الأمور للظروف، بل يجب تقنينها وتحسينها في اتجاه توفير مناخ ملائم لنجاح البلديات، كما لابد من الإشارة أيضا إلى نقاط مهمة جدا تمثل عوائق، وهي مسألة الرصيد العقاري والأداءات الموظفة على البلديات، حيث لا بد من تثمين الرصيد العقاري كما نص على ذلك القانون، الأمر الذي لم يحدث لحد الآن، فمن غير المعقول أن يكون للبلديات رصيد عقاري ـ ضعيف جدا ـ ناتج عن التفويت في فترات سابقة ،خاصة في عهد الاستبداد بأوامر ضمنية أو مباشرة من السلطة المركزية  لأراضي بلدية بأثمان زهيدة لم نتمكن من استعادتها، أيضا  أداءات على القيمة المضافة على البلديات التي تقدم خدمات عمومية تعتبر مرتفعة جدا تصل لحدود % 19 من إجمالي الميزانية العامة للبلديات، وهو معدل مرتفع جدا يرهق البلديات ”

للبلديات أهمية كبرى في مستوى نجاح مسار التنمية، فهي الحلقة الأولى التي يمكن من خلالها تحسين واقع المواطنين، وعلى هذا الأساس لابد من دعمها بالإطار القانوني المناسب، وبالإمكانيات اللاّزمة لمساعدتها على النجاح.

 

حاوره أيمن اليزيدي مختص في القانون العام والحوكمة المحلية

عن +

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى