نجح شباب تونس في لإطاحة بالنظام الدكتاتوري ورفع راية البلاد بكل فخر ولعب دورا مهما في التخلص من الرئيس المخلوع فتحدثت جميع دول العالم من عربية الى أوربية على بلد صغير في خريطة كانت سباقة في القضاء على بقايا الاستعمار، ومشت على خطاها بقية الدول العربية.
ثورة الياسمين ولدت من رحم الصراع الداخلي لشباب تونس بسبب الظلم والقهر والفقر والجوع لتتحول الى هتافا في الشوارع تحد للسلطة القمعية لرفع راية الحرية والديمقراطية، ولم يقف شباب تونس بعد الثورة عند هذا الحد بل رفعوا راية بلدنا في المسابقات الدولية في مجالات الاختراع والابتكار المتعددة، طاقات شبابية برزت بكل وضوح في السنوات الاخيرة اذ حاز أبناء الخضراء على المراتب الأولى وجوائز مهمة من جنيف الى هونغ كونغ وصولا لباريس والامارات، فبرع شباب بلدنا في الطب والتنمية المستدامة والفلاحة وفي الهندسة الميكانيكية وكذلك في البيولوجيا كما اكتظت مخابر الدول المتقدمة بخبرات شباب دولة فقيرة على المستوى الاقتصادي لكنها غنية فكريا وعلميا.
وجدت تونس نفسها تواجه نقصا فادحا في زمن الكورونا في الادوات الطبية والوسائل الوقائية والتقنيات العلاجية أمام شح الدول المصنعة في تصديرها في ظل انتشار جائحة الكورونا في كل بقاع العالم وسياسات الاغلاق الحدودي الشامل لمنع نقل البضائع خوفا من تنقل الكورونا في صفوف التونسيين، أمام هذه المحنة وقف شباب تونس من مدرسي وخرجي ومتربصي الجامعات التونسية من الهندسة والطب بتقديم منتجات نوعية مبتكرة مساعدة للجهاز الطبي والشبه الطبي
على الرغم من تواضع المخابرالتونسية ومحدودية الامكانيات وضعف التمويل والتشجيع الرسمي الباهت للكفاءات ظهرت دينامية كبيرة في الأفكار المبتكرة من أجل محاربة فيروس كورونا المستجد من قبل مهندسين تونسيين قررو تحويل قطار الى مستشفى متنقل لعلاج المصابين بالفيروس.
أكد صاحب مشروع “قطار الحياة” حاتم بونواس في تصريح لوكالة تونس افريقيا للأنباء أن فريقه شرع في انجاز الدراسات حول المشروع ومن المنتظر انتهاء اشغال تجهيزه في القريب
وأوضح بونواس أن المشروع يستهدف بالأساس توفير العلاج لمستحقيه في المناطق الداخلية من البلاد، كما سيؤمن القطار نقل المساعدات الاجتماعية في عرباته الى المحتاجين وسيتم استخدام تقنيات متطورة منها الطائرات بدون طيار المزودة بالات لقياس الحرارة من أجل تلاقي الاتصال البشري بين الطاقم الصحي والأفراد وسيتضمن المستشفى صيدلية وقسما للإنعاش وغرف اقامة صحية.
وفي هذا الإطار تمكن كذلك طلبة المدرسة الوطنية للمهندسين في سوسة بالتعاون مع اساتذتهم من صناعة جهاز تنفس اصطناعي يمكن من ضخ الهواء والاكسيجين في وقت قياسي ويساعد المصاب الذي يعاني من قصور رئوي في الحصول على 30 لترا من الاكسيجين في مدة وجيزة
وتقدر كلفة توريد هذا الجهاز من الخارج بستة الاف دولار في حين لا يكلف تصنيعه الدولة التونسية الكثير من المال، كما تمكن مهندسون شبان في ولاية جندوبة من صناعة روبوتات مسيرة مجهزة بكاميرا ومبرمجة للتنقل داخل أروقة الأقسام المخصصة لمرضى كوفيد 19 حيث تؤمن هذه الروبوتات تعقيم الغرف وتوصيل الدواء والغذاء الى المرضى لتقليل من انتشار العدوى بين جنود الميدعة البيضاء.
وفي نفس الفترة أطلقت العديد من المنظمات مبادرات مواطنية تهدف الى خياطة الكمامات الطبية ليلا ونهار لمساندة جهود الحكومة التونسية في ادارة أزمة الوباء. كما أعلنت منظمة “أمن شباب تونس” أنها تعمل على صناعة أكبر كمامة ويتوقع أن يبلغ طول الكمامة 20 مترا من أجل الدخول في موسوعة غينيس.
مخترعون ومبدعون كثيرون في تونس عانوا التهميش في الزمن البائد ومازالوا بعد الثورة على رغم أنهم يتلقون بعض الاهتمام من قبل السلطة الجهوية والبعض من السلطات الرسمية ووسائل لإعلام العالمية وكذلك العمومية ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي على غرار وزارة التشغيل والتكوين المهني الا ان هذه الفئة لم تحظى بالرعاية المتواصلة والدعم اللوجستي والمالى الكافي والتثمين الاعلامي ما دفع بأذكياء تونس بالفرار الى الدول الغربية خوفا من موت أو كبت الموهبة فتحتضنهم دول يعانون فيها العنصرية وعدم المساواة لكنها امنت بقدراتهم على التغير والتصنيع والاختراع. أثبت الدور الرائد للباحثين والمراكزالبحثية والممبتكرين من مجالات علمية مختلفة انه لابد من ايقاف نزيف هجرة الأدمغة وبعث مراكز تهتم وتؤمن بمواهبهم ومهارتهم وتحول افكارهم على أرض الواقع وذلك بتشجيع من المستثمرين ورجال الأعمال لاحتضان الطاقات الشبابية أولا لانه برز الدور الحيوي لهذا المجال ولان هذه الأزمة أظهرت فرص تونس الحقيقية والجدية لتصبح تونس ضمن الدول مصنعة للآلات الالكترونية وغيرها من التقنيات وتعزيز السوق المحلية بمنتوجات حاملة اسم “صنع تونسي”. فالكورونا اليوم نفضت الغبار اذن على عدة مواهب شبابية ومبادرات ابتكارية نابعة عن حس وطني يحتاج الى جرعات من الدعم والتأطير حتى تتحول هذه المحنة الى منحة تضع البلاد على سكة الإصلاح والتجديد وانبعاث اقتصاد يليق بكفاءات أهل البلاد وبطموحاتهم ويتماشى مع ما تختزنه هذه الأرض من ذكاء .