الرئيسية / الحوكمة / دور السلطة اللامركزية في مجابهة الوباء

دور السلطة اللامركزية في مجابهة الوباء

استنفرت كل الدول قواها وأغلقت  جميع حدودها البرية والبحرية والجوية  ومنع التجول والتنقل  وأعلن الحجر الصحي العام وتغير سلوك الأشخاص واهتماماتهم وتنامى الخوف والحذر مع تنامي عدد الوفيات وعدد الاصابات في العالم وتغيرات العادات اليومية وأصبحت المواد الوقائية الصحية ضمن لائحة المستلزمات الحيوية. فالبشرية لم تعرف  في عصرنا الحديث جائحة شغلت العالم دولا وشعوبا ومنظمات ومؤسسات مثل جائحة كورونا، فرغم السوابق الوبائية والتوصيات الدولية في التعامل مع الجوائح لم يرتق أداء الدول والمؤسسات الدولية والمؤسسات الوطنية والمواطنين إلى المستوى المطلوب من التعاون والتنسيق وتحديد الاستراتيجيات وتعبئة الموارد لمواجهة العدو المشترك العابر للدول والقارات والمهدد للصحة العالمية بل للحياة البشرية في كل بقاع العالم.

منذ بداية تفشي فيروس كورونا في تونس سارعت السلطة المحلية في اتخاذ اجراءات وقرارات  وذلك بتركيز وحدات صحية لغسل الايدي في بعض الشوارع  إلى جانب القيام بحملات تعقيم لعدة فضاءات عمومية ومساحات تجارية كبرى،

كما تم القيام بحملات تحسيسية  في صفوف المواطنين وتركيز السائل المطهر في عدد من الأماكن العمومية على غرار الادارات السريعة بمختلف الدوائر البلدية وزيارات تحسيسية واغلاق المحلات المفتوحة للعموم من مقاهي ومطاعم وحث المشغلين والعاملين والمواطنين على ضرورة اتباع الاجراءات الوقائية حفاظا على السلامة العامة وتعليق الانتصاب بالأسواق الاسبوعية بكامل مناطق البلدية، وغلق جميع الحمامات العمومية وتركيز خلية أزمة في معظم البلديات للحد من انتشار الفيروس.

باعتبار تدخل البلديات في ادارة هذه الأزمة حقا وواجبا  وحسب ما فرضه الدستور التونسي وما فرضته مجلة الجماعات المحلية التي اقرت استقلالية المجلة من خلال تكريس مبدا التدبير الحر.  ينص الفصل 266 من مجلة الجماعات المحلية أن ” رئيس البلدية مكلف بالتراتيب البلدية … يتولى رئيس البلدية اتخاذ التراتيب الخاصة بحفظ الصحة والسلامة … داخل كامل المنطقة البلدية بما تشمله من ملك عمومي للدولة ويضيف الفصل 267 من نفس المجلة “ترمي التراتيب الضبطية إلى تحقيق الصحة العامة… وتشمل الإجراءات الضبطية بالخصوص  كل ما من شأنه أن يمكن من تلافي الآفات والكوارث بشتى الوسائل الملائمة وتدارك أمرها والقيام بالإسعافات اللازمة كالكوارث و الأوبئة والأمراض المعدية… والتنسيق مع السلطة المعنية للتدخل العاجل عند الاقتضاء”

لكن الاجراءات البلدية لم تكن موحدة بين جميع البلديات، ربما لضعف الإمكانيات المادية والبشرية التي تعانيها معظم البلديات والافتقار للموارد المالية ومحدودية الامكانيات اللوجستية يجعل هذه الهياكل في حالة شلل تام، مما دفع رئيس الحكومة الياس الفخفاخ بعد دعوة رئيس الجمهورية قيس سعيد في وقت سابق رؤساء البلديات الى الالتزام بمركزية القرارات  الى اصدار منشور حكومي دعا من خلاله رؤساء البلديات والمسؤولين الى ضرورة التنسيق مع الحكومة واعلام السلطة المركزية مسبقا.

94111057_242804380173238_2422310724006051840_nوفي  هذا الاطار، قالت النائبة بمجلس نواب الشعب ورئيسة اللجنة الجهوية للصحة والشؤون الاجتماعية والبيئة ببن عروس نسيبة ابن على في حوار مع مؤسسة الياسمين للبحث والتواصل  أنه يجب على رئاسة الحكومة ان تحث كل من السلطتين المحلية والمركزية الى التنسيق في ما بينهما لمجابهة فيروس كورونا وأن الازمة تتطلب التعاون بين كل السلط.

وعبرت النائبة عن رفضها كل تأويل أو الدعوة الى ترذيل أو تذليل السلطة المحلية المنتخبة التي كان لها دور مهم في مجابهة هذا الوباء من خلال اتخاذ قرارات استباقية لرئاسة الحكومة.

ولئن كانت للبلديات باعتبارها سلطة محلية لها كل الصلاحيات في المجال الضبطي ومكلفة بإتخاذ مختلف الإجراءات التي تمكن من الحفاظ على النظام العام الصحي والتوقي من مختلف المخاطر التي تهدده، فإنها ملزمة بإحترام مقتضيات وحدة الدولة وتطبيق أحكام الدستور والقانون،

ينص الفصل 4 من مجلة الجماعات المحلية ” تدير كل جماعة محلية المصالح المحلية وفق مبدأ التدبير الحر طبقا لأحكام الدستور والقانون مع احترام مقتضيات وحدة الدولة”

لكن ألزم الفصل 14 من الدستور الدولة بدعم اللامركزية واعتمادها بكامل التراب الوطني، والدعم يمكن ان نعتبره هو اقرار بأن السلطة المحلية ركيزة من الركائز الاساسية  تستدعى تقاسم المسؤوليات بين السلطة المركزية والسلطة المحلية فقد تعرف توطئة الدستور طبيعة النظام الجديد للدولة بكونه نظام جمهوري ديمقراطي تشاركي يقطع مع النظام البائد السابق الذي اتسم بأحادية القرار.

مرحلة وبائية تعيشها تونس لا تتحمل الصراع بين السلطة المركزية والجهوية والمحلية ويمكن ان تكون فرصة لإعادة تطوير دور اللامركزية واستكمال ارساء مسارها وتعزيز الثقة بين السلطة المحلية والمواطنين.

عن +

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى