شهد مفهوم الإعلام تغيَرا واضحا بعد ظهور مواقع الشبكات الاجتماعية وخصوصا “الفايسبوك”، فكلَ صحفي يستخدم مواقع الشبكات الاجتماعيَة بطريقته الخاصَة ولأهداف مُعيَنة، ما يؤدَي في بعض الأحيان إلى ظهور الأخبار الكاذبة “Fake News” بهدف التضليل وتوجيه الرأي العام. وفي هذا السياق، ظهرت صحافة التحرَي في الوقائع “Fact-Checking Journalism” التي تقوم على التحرَي في الوقائع والأخبار المتداولة والتدقيق فيها بهدف إبراز الحقيقة وإنارة الرأي العام. فعلى سبيل المثال لا الحصر، أثار فيديو مفبرك حول تزوير الانتخابات التشريعيَة جدلا كبيرا على الفايسبوك في حين أنَ الفيديو يعود إلى سنة 2018 عندما تمَ تزوير الانتخابات التشريعيَة في لبنان. حيث تمَ ترويج الفيديو عبر الفايسبوك على أساس أنَه دليل على تورَط الهيئة العليا المستقلَة للانتخابات في عمليَة تزوير الانتخابات التشريعية، كما تمَت فبركة صورة تُفيد بأنَ نبيل القروي صوَت لفائدة منافسه في الدور الثاني للانتخابات الرئاسية قيس السعيد.
ونظرا لما تشهده الحملات الانتخابيَة من تشويه وأخبار كاذبة من شأنها التشويش على المسار الانتخابي ، نظَمت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري بالتعاون مع مكتب مجلس أوروبا بتونس ندوة دوليَة حول موضوع الانترنت ومواقع الشبكات الاجتماعية والعملية الانتخابية شهر جوان المنقضي، وأطلقت الهايكا بالمناسبة منصَة رقميَة لمكافحة الأخبار الزائفة بتقنيات تحقَق متقدَمة سعيا منها إلى حماية العملية الديمقراطية وضمان عدم استغلال التضليل والمعلومات الكاذبة في التأثير على العملية الانتخابية من خلال مراقبة ما يُنشر من أخبار في مختلف المنصَات الإعلامية ومواقع الشبكات الاجتماعيَة، ورصد الأخبار الزائفة وتصحيحها.
كما أطلقت مؤسسات الإعلام العموميَة (التلفزة التونسية، الإذاعة التونسية ووكالة تونس إفريقيا للأنباء) يوم 6 أكتوبر منصَة رقميَة للصحفي والمواطن خاصَة بتفنيد الأخبار الزائفة والمعطيات المغلوطة المتداولة على مواقع الشبكات الاجتماعيَة وبعض المدوّنات بهدف التصدَي لتفشّي الأخبار الزائفة والإشاعات الرامية إلى التأثير على سير العمليَة الانتخابيَة وتضليل الرأي العام.
وباعتبار أنَ التحرَي في الوقائع يُعتبر جوهر الصحافة، أدرج معهد الصحافة وعلوم الأخبار ضمن شبكة برامجه الأكاديميَة مادَة جديدة بعنوان “Fact Cheking”، وقد انطلق تدريسها من السنة الجامعيَة الحاليَة (2019 – 2020) لتمكين الطلبة من اكتساب آليَات التدقيق في الأخبار مع الالتزام بالأخلاقيَات الصحفيَة، فصحافة التحرَي تقتضي توخَي الحقيقة كمرجعيَة أساسية مع الالتزام بالحياد والموضوعيَة عند نقل الخبر.
إنَ التحوَلات التي طرأت على مهنة الصحافة تُبيَن أنَ صحافة التحرَي في الوقائع لم تترسَخ بعد بالشكل الكافي في الصحافة التونسية إذ بقيت مناسبتيَة ما يقتضي إدراج مبدأ التحرَي في المواثيق الأخلاقيَة الصحفيَة للمؤسَسات الإعلاميَة والبحث عن آليَات كفيلة بإرساء ثقافة التحرَي لدى الصحفي. فمن الضروري اليوم إعادة النظر في المواثيق الأخلاقيَة بما يتلاءم مع البيئة الجديدة التي خلقها الفايسبوك.
بقلم إشراق بن حمودة | قسم الإعلام البحثي 2019 ©