لئن مثّلت تونس البلد الرّائد والاستثنائي في العالم العربي في مجال حماية حقوق المرأة وحرّياتها في التّعليم والعمل والانتماء السّياسي والنّقابي والتّصويت في الانتخابات، وتجريم العنف ضدّها سواء اللّفظي أو المادّي أو المعنوي أو الجنسي أو الاقتصادي أوالسّياسي، وذلك من خلال إرساء مجلّة الأحوال الشّخصيّة منذ سنة 1956، الاّ أنّ ذلك لم يمنع من ارتفاع نسب العنف والجريمة وتنامي قضايا التّحرّش والاغتصاب والاعتداءات اللّفظيّة والماديّة الموجّهة ضد النّساء والأطفال في تونس لا سيّما بعد ثورة 14 جانفي 2011.
إذ تتعرض 47% على الأقل من النّساء للعنف الأسري في حياتهّنّ وفق مسح أجراه “الدّيوان الوطني للأسرة والعمران البشري” سنة 2010، الأمر الذي دفع وزارة المرأة لاقتراح مشروع القانون الأساسي المتعلّق بالقضاء على العنف ضدّ المرأة.
وبعد جدل كبير وجلسات صاخبة وتوتّر بين مختلف الأطراف السّياسيّة، صادق مجلس نوّاب الشّعب يوم الأربعاء 26 جويلية 2017 على مشروع القانون الأساسي عدد 60 – 2016 المتعلّق بالقضاء على العنف ضد المرأة برمّته بـ 146 صوتاً دون احتفاظ أو اعتراض.
ويعرّف هذا القانون العنف المسلّط على المرأة بأنّه “كل اعتداء مادّي أو معنوي أو جنسي أو اقتصادي ضد المرأة أساسه التّمييز بسبب الجنس والذي يتسبّب بألم أو إيذاء جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة ويشمل أيضا التّهديد بهذا الاعتداء أو الضّغط أو الحرمان من الحقوق والحريّات، سواء في الحياة العامّة أو الخاصّة”. يشمل ذلك العناصر الرّئيسيّة لتعريف العنف المنزلي الموصى به في “دليل التّشريعات المتعلّقة بالعنف ضد المرأة” الصّادر عن الأمم المتحدة.
ويهدف القانون، الذي سيدخل حيّز التّنفيذ بعد ستة أشهر من نشره في الرّائد الرّسمي التّونسي، حسب ما جاء في فصله الأوّل إلى وضع التّدابير الكفيلة بالقضاء على كل أشكال العنف القائم على النّوع الاجتماعي من أجل تحقيق المساواة واحترام الكرامة الإنسانيّة وذلك باتباع مقاربة شاملة تقوم على التّصدّي لمختلف أشكاله بالوقاية وتتبّع مرتكبيه ومعاقبتهم وحماية الضّحايا ومساعدتهم.
وعليه تمّ التّرفيع في سن الأهليّة الجنسيّة إلى 16 عامًا ممّا يلغي أحكام الفصل 227 مكرّر من المجلّة الجزائيّة ويعوّض بأحكام أخرى تقضي بمنع تزويج القاصر الأقل من 16 عامًا من مغتصبها حتّى وإن كان ذلك برضاها.
وينصّ القانون على أحكام جنائيّة وعقوبات جديدة ضد مرتكبي أي شكل من أشكال العنف الموجّه ضدّ النّساء والأطفال ويجرّم التّحرّش الجنسي في الأماكن العامّة واستخدام الأطفال كعمّال منازل، ويغرّم أصحاب العمل الذّين يميّزون عمداً ضدّ النّساء في الأجور.
ويتضمّن القانون تدابير وقائيّة، تتمثّل في توجيه وزارة الصّحّة لوضع برامج لتدريب الطواقم الطبيّة على كيفية كشف وتقييم ومنع العنف ضد النّساء، وكذلك المعلّمين بشأن متطلّبات القانون التّونسي والقانون الدّولي للمساواة وعدم التّمييز وكيفيّة منع العنف والتّصدّي له، وذلك لمساعدتهم على التّعامل مع حالات العنف في المدارس.
كما يتضمّن التزامات بمساعدة النّاجيات من العنف الأسري، منها تقديم الدّعم القانوني والطبّي والمتعلّق بالصّحّة العقليّة. ويسمح هذا القانون للنّساء بالتماس أوامر زجريّة ضدّ مرتكبي الانتهاكات ضدّهنّ، دون تقديم دعوى جنائيّة أو طلاق. كما يمكن للأوامر، من بين أمور أخرى، أن تلزم الجاني المشتبه به بإخلاء المنزل، والابتعاد عن الضّحيّة وأطفالها، والامتناع عن العنف أو التّهديد أو الإضرار بالممتلكات أو الاتصال بالضّحيّة. وتعتبر “هيئة الأممّ المتّحدة للمرأة”، وهي كيان الأممّ المتّحدة المعني بالمساواة بين الجنسيّن، هذه الأوامر من بين أكثر سبل الانصاف القانونيّة فعاليّة لحماية النّساء من العنف.
ويدعو القانون إلى إنشاء وحدات للعنف الأسري داخل “قوّات الأمن الدّاخلي” التّونسيّة لمعالجة شكاوى العنف الأسري، وتعيّين وكيل جمهوريّة مساعد، في كل ولاية، لمعالجة هذه الشّكاوى. وينصّ أيضا على تحميل المسؤوليّة الجنائيّة لـ “العون التّابع للوحدة المختصّة بالبحث في جرائم العنف ضد المرأة الذي يتعمّد ممارسة ضغط على الضّحيّة أو أي نوع من أنواع الإكراه لحملها على التّنازل عن حقوقها أو لتغيير مضمون شكواها أو الرّجوع فيها”.
وبينما يشترط القانون على السّلطات إحالة النّساء إلى الملاجئ إذا كنّ في أمسّ الحاجة إليها، إلاّ أنّه لا يوفّر آليّات لتمويل ملاجئ حكوميّة أو غير حكوميّة. كما أنّه لا يتضّمّن أحكاماً تنصّ على تزويد الحكومة بالمساعدة الماليّة في الوقت المناسب لتلبية احتياجاتهنّ أو مساعدتهنّ في إيجاد مساكن طويلة الأجل. باختصار، لا ينصّ القانون على كيفية تمويل الدولة البرامج والسّياسات التي تضعها.