خصص اليوم الثاني من الندوة السنوية لمؤسسة الياسمين للبحث والتواصل، والتي أقيمت بنزل رمادا بقمرت يوم 12 جوان 2015، لأشغال 3 ورشات كبرى، الأولى تحت عنوان “اللامركزيّة : وسائل مبتكرة للمساءلة المحلّيّة ” والثانية تحت عنوان ” العدالة الإنتقاليّة: الوضع الحالي لعمليّة في طور الانجاز” أما الثالثة فكانت تحت عنوان ” الإقتصاد التضامني والإجتماعي: إشكاليات وفرص التفعيل”.
أما الورشة الثانية والتي تحمل عنوان “العدالة الانتقاليّة: الوضع الحالي لعمليّة في طور الانجاز”، فقد كانت تحت إدارة الآنسة غفران ونيسي، باحثة بمؤسسة الياسمين للبحث والتواصل، بصحبة كل من القاضي عمر الوسلاتي وكاتب عام المرصد التونسي لاستقلال القضاء، والسيد المحامي محمد كمال الغربي وهو رئيس الشبكة التونسية للعدالة الانتقالية، بالاضافة إلى المحامي شاهم هادي وهو عضو بالشبكة التونسية للعدالة الانتقالية.
افتتحت الورشة بتدخل من قبل القاضي عمر وسلاتي وهو أيضا كاتب عام المرصد التونسي لاستقلال القضاء تحدث فيه عن العدالة الانتقالية وعن المسار الانتقالي بعلاقة مع تجربة المرصد الذي حاول الاعداد لتجربة تكوين أكثر من 80 قاض في مجال العدالة الانتقالية وشراكة مع هيئة في فنيس ومصر، غير أن عملية التكوين تم ارجاؤها وتسويف النظر في شأنها لعدة اعتبارات سياسية وقتها.
كما تحدث عن الاختلاف الكبير بين العدالة التقليدية التي تعتمد على قوانين مضبوطة واضحة وقارة، وبين العدالة الانتقالية التي تطبق في فترة معينة للتحقيق في جرائم (لطي صفحة الماضي بالتحقيق فيها والمساءلة عليها).
حيث تظهر العدالة الانتقالية في مراحل الانتقال بين فترتين، الأولى دكتاتورية والثانية تهدف للمساءلة وتصفية القضايا العالقة، وأشار عمر الوسلاتي إلى أنه هناك عدة عراقيل وصعوبات في سبيل تحقيق العدالة الانتقالية أحدها صعوبة تتعلق بالدوائر القضائية المتخصصة في حد ذاتها والغير موجودة، أما العائق الثاني فيتمثل في صعوبة متعلقة بهيئة الحقيقة والكرامة والهيئة الوقتية للقضاء العدلي والتي تتقبل لمدة سنة الشكاوي ومن ثم تحيل الملفات إلى الدوائر القضائية المتخصصة للنظر فيها ولكن هذه الدوائر لم تتكون بعد، والعائق الثالث هو غياب التخصص القضائي، أي أنه لا يوجد قضاة متخصصون في العدالة الانتقالية يفهمونها جيدا ويتعاملون على أساسها.
وعبر المحامي عمر وسلاتي أن رغبة المرصد في تكوين قضاة في مجال العدالة الانتقالية، للتمكن من مفهوم العدالة الانتقالية وفهمها والتشبع بها جاء لسد النقص الحاصل في القضاة المخول لهم النظر في ملفات الشكايات.، مشيرا إلى أنه ليس بالأمر السهل أن تكون قضاة في تخصص ما، كما عرّج على ذكر المعايير وكيفية اختيار القضاة والخصائص التي سيتم الاختيار على أساسها.
وعلى إثر سؤال مدير الجلسة الآنسة غفران الونيسي عن ماهية الفرق في اجراءات الحكم على قضايا معينة لمعرفة إن كان الاجراء المتبع خاضعا للعدالة التقليدية أو العدالة الانتقالية، دار نقاش ثري بين الحضور، حيث قدم القاضي عمر إجابة تتلخص في كون الفرق يكمن في تأويل القضية ذاتها، في الجهة المخولة لضبط القضايا، وعملية احالة الملف بعد دراسته، إذ لابد من احالة الملفات الى الجهة المتخصصة من قبل النيابة العمومية وعدم حفظه بدعوى عدم استقلال القضاء أو عدم وجود جهة متخصصة. وأضاف أنه يجب ان يكون هناك دور للنيابة العمومية في تأويل النصوص القانونية خاصة فيما يتعلق بالاحالة إلى الجهات المختصة.
وفي سؤال عن الجهة المخول لها المحاسبة والبت في القضايا، كان للسيد محمد كمال الغربي تدخل وضح فيه كون المحاسبة ليست من مشمولات هيئة الحقيقة والكرامة، بل مهمة الهيئة هي دراسة الملفات واحالتها إلى الجهات المختصة في القضاء، حيث أنها هيئة مستقلة غير منخرطة في حسابات سياسية ولا محسوبة على سلطة معينة، تقوم بالنظر في الشكاوي وتقسيمها وفرزها حسب الجهات التي من الواجب أن تنظر في القضية، وهذا ينخرط ضمن إطار وسياق العدالة الانتقالية ولتحييد الجهات المنخرطة في الفساد القديم والدكتاتورية القديمة. في حين أن المحاسبة القضائية، هي من اختصاص القضاء، والذي اعتبر أنه غير مطهّر وغير نظيف وهو منخرط ضمن منظومة الفساد المستمرة التابعة للنظام القديم. وشدد السيد محمد كمال الغربي كذلك على دعم التخصص القانوني، بسياسات عامة تنطلق منذ الدراسة الثانوية، وإيجاد اختصاص قانوني منذ الباكالوريا للتخصص والتعمق فيما بعد في الدراسات الجامعية.
أما مداخلة السيد هادي شاهم فتمحورت حول المصالحة الوطنية والتي اعتبر أنها السبيل الوحيد لبناء دولة قانون قوية، وهذه المصالحة لا تكون بمسامحة الفاسدين وغض الطرف عنهم وإنما مساءلة كل الفاسدين والضالعين في كل القضايا المتعلقة بذلك وتمرير قضايا واضحة في حقهم فإذا ثبتت براءتهم يفسح لهم المجال للعمل وان تم اثبات قضايا ضدهم تتم محاسبتهم.
كما شدد على وجوب اقتراح قانون حماية الشهود لتشجيع المظلومين أو الشاهدين لتقديم شهاداتهم وعدم تخوفهم من مصيرهم حال تقديمهم لشهائدهم في قضايا ضد جلاديهم.
ودارت مجمل المداخلات حول ضرورة ايجاد استراتيجية للاهتمام بالضحايا وتوعيتهم للقيام بتقديم شهاداتهم وتشجيعهم للصالح العام للوطن، وخاصة التوعية الجمعية بكون المسار الانتقالي مهدد بالعودة لمربع الدكتاتورية الاصلي اذا ما لم يتم مواصلة مسار العدالية الانتقالية وعدم المحاسبة الواعية المسؤولة ، بالإضافة إلى وجوب اضطلاع الهيئات القضائية المختصة والشخصيات الاعتبارية المضطلعة في القانون بمهام رئيسية تعنى بتقديم مشروع لتغطية النقص في القوانين أو الفصول إن وجدت.