سعت مؤسسة الياسمين منذ تأسيسها، أن تكون دائما في قلب الأحداث و المستجدات الواقعة على المستوى الوطني، لذلك تنوعت أنشطتها و تعددت لتشمل أهم المواضيع الدارجة، و من أهم المواضيع التي اشتغلت عليها المؤسسة هي مسألة الشباب و كل ما هو متعلق بالإشكاليات و التحديات التي تواجهه اليوم، فما كفّت عن ملامسة واقعه محاولةُ حل مشاكله.
يعتبر التشغيل من أهم المواضيع و الأولويات المتعلقة بالشباب، لذلك في إطار فعاليات اليوم الثاني من مؤتمرها السنوي، يوم الجمعة 12 جوان 2015، نظمت المؤسسة مائدة مستديرة حول موضوع الاقتصاد التضامني و الاجتماعي بين اشكاليات و فرص التفعيل، لأن هذا المجال بات يفرض نفسه بشدة كحل لمعالجة مشكلة التشغيل بالنسبة للشباب من حاملي الشهادات العليا و مختلف المؤهلات المهنية.
كان الهدف الرئيسي من هذه الحلقة النقاشية هو التعريف بمفهوم الاقتصاد التضامني و الاجتماعي من جهة و الكشف عن واقعه و سبل تطبيقه في بلادنا من جهة أخرى. و ذلك من خلال تدارس هذا التوجه مع مختصين و نشطاء في الميدان قدموا تجاربهم و مقارباتهم، دون السهو طبعا عن تشريك الجانب الحكومي الذي يعتبر نواة أساسية لفهم التوجه العام للوزارة و رؤيتها و مشاريعها في يخص الاقتصاد التضامني و الاجتماعي. إن مجال الاقتصاد التضامني و الاجتماعي يعتبر مهما للغاية لزيادة فرص التشغيل لدى الشباب فأضحى من الضروري تسليط الضوء عليه.
بدايةً عرض معاذ الجماعي، مٌسيّر النقاش، تقديما عاما لمفهوم الاقتصاد التضامني و الاجتماعي بين من خلاله أن الاقتصاد التضامني يرتكز على المنفعة الاجتماعية، من خلال تضامن العاملين والمستهلكين، ويعتمد على الموارد البشرية، و أنه يقوم على مبدأ التدبير الجماعي، مما يكون له العديد من الإيجابيات. كما يعترف هذا الاقتصاد بمجهود الجماعة عبر تقسيم الأرباح بالمساواة بين الأفراد المشتغلين بنفس المؤسسة، ويعتبر العمل الجماعي سمة من سمات الاقتصاد التضامني والاجتماعي المبنية على التعاون والتآزر.
كما يسعى الاقتصاد التضامني والاجتماعي إلى إيلاء الإنسان والمحيط قيمة كبيرة جدا فمن أهدافه خدمة الفرد و المجموعة و تكريس قيمة التضامن و التعاون إضافة إلى دعم المكتسبات المحلية و تحقيق الرفاهية و العيش الكريم للمواطنين إذ أن مجالات العمل التي يمكن أن يشملها الاقتصاد التضامني والاجتماعي عديدة و متنوعة جدا، كالمجال التربوي، و مجال الخدمات، التجارة، الفلاحة، الصناعات، الثقافة وغيرها.
لكي يتسنى لنا الإلمام بكافة الجوانب المتعلقة بهذا البديل الاقتصادي و الاجتماعي الجديد حضر معنا في هذه المائدة المستديرة مختبر الاقتصاد الاجتماعي والتضامن (Lab’ESS- Laboratoire de l’Economie Sociale et Solidaire) ممثلا من قبل الآنسة زينب قنّوشي التي قدمت لاباس تقديما مفصلا مبينة مختلف المؤسسات التي تنبثق عنه ، إضافة إلى إبراز مجالات عمل المختبر.
أشارت الآنسة زينب في البداية أنّ لاباس ينقسم إلى فرعين : أولهما مكتب توجيه الجمعيات (BAC- Bureau Associations Conseils ) و الثاني هو محضنة المشاريع الاجتماعية ( IMPACT – Incubateur d’Entreprises Sociales ). و قد ركزت بشكل خاص علي الدور الذي تلعبه محضنة المشاريع الاجتماعية في دعم احترافية المؤسسات الاجتماعية التونسية و توعية المجتمع المدني بالمسائل المتعلقة بالاقتصاد التضامني و الاجتماعي، مبرزة الدعم الذي تقدمه محضنة المؤسسات و مختلف الخدمات التي تقدمها لباعث المشروع الاجتماعي و كيف أنها ترافقه في مختلف أطوار إنجاز مشروعه.
الآنسة زينب قنّوشي ، مختبر الاقتصاد الاجتماعي والتضامن (Lab’ESS- Laboratoire de l’Economie Sociale et Solidaire)
إن تقديم تجارب النجاح من أهم المحفزات التي تدفع شبابنا نحو هذه المبادرات الجديدة، إذ أنه بالرغم من حداثة بروز ظاهرة الاقتصاد التضامني و الاجتماعي، إلا أننا نجد الساحة الاقتصادية لا تخلو من بعض النماذج الناجحة و المتميزة، مثل مشاريع الجيل الأول من المؤسسات الاجتماعية التي أنشئت بمرافقة و متابعة محضنة المشاريع الاجتماعية كمشروع ” كرهبتنا ” و مشروع “أنفيتو ستاس” ( Envitou Stas) و هي مؤسسة ناشئة تعمل في مجال تجميع النفايات و ترشيد عملية الفرز. هذا و قد أعلنت الآنسة زينب أن المحضنة بدأت في الاشتغال علي الجيل الثاني من المؤسسات، و عددها خمسة : بوليبوس (Polùpous )، دار العين ( Dar El Aïn)، سوانينا ( Swanina)، جريني ( Greeny)، و شالنجر (Challanger).
و عرضت السيدة لمياء بن عياد، و هي ناشطة في مجال الاقتصاد الاجتماعي و التضامني، أهمية البدأ في مرحلة جديدة من الاقتصاد الذي من شأنه أن يحد من الفقر و الفوارق بين الجهات و والتقسيمات المجتمعية التي طالما كرَست التفرقة والشعور بالإقصاء لدى مختلف الأفراد. و قد اقترحت بعث مركز لتجميع المعلومات لما له من دور أساسي في تيسير الولوج إلى المعلومة وفق “منظومة معلوماتية رقمية”، مما سيسهل تحديد المشاكل المشتركة و تحديد الأولويات فنتمكن بالتالي من تخطيط أكثر نجاعة و أكثر استجابة للواقع فتكون الحلول أكثر ملائمة و يمكن تنفيذها عبر بعث مشاريع اجتماعية و ما لذلك من دور في حل عديد الاشكاليات المترابطة و المتلازمة كالفقر و البطالة و تباطؤ أو انعدام التنمية.
السيدة لمياء بن عياد
لا يمكن أن نتحدث عن الاقتصاد التضامني و الاجتماعي دون الكشف عن نظرة علم الاجتماع لهذا النموذج الجديد، لذلك عمد أستاذ علم الاجتماع عادل بالكحلة، إلى عرض تجربتين في هذا المجال، أولهما التجربة الاسكندنافية و تجربة أمريكا الجنوبية، و ذلك قصد البحث عن مقاربة محلية للمفهوم تراعي الخصائص الثقافية والاجتماعية التونسية.
عادل بالكحلة، أستاذ علم الاجتماع
يبدو أن الاقتصاد التضامني و الاجتماعي يشكل البديل الأمثل أمام الدولة لجمعه بين التشغيل من جهة و بين التنمية من جهة أخرى، و هما من أهم استحقاقات المرحلة. و في هذا الإطار حضرت معنا السيدة أنيسة عياري كممثلة عن وزارة التكوين المهني و التشغيل و هي المكلفة بملف الاقتصاد التضامني و الاجتماعي و قد عرضت رؤية الوزارة و أكدت ان الاقتصاد التضامني و الاجتماعي يعتبر حتي الآن في طور التكوين و لم يقع بعد الإلمام بكل جوانبه. و قد عرجت على مسألة نقص المفاهيم و عدم وضوحها في هذا المجال.
السيدة أنيسة عياري، ممثلة عن وزارة التكوين المهني و التشغيل
و اشارت من ناحية أخرى إلى التجارب التي تعمد الوزارة لوضعها حتي يتسنى لها إرساء هذا النمط المؤسساتي الجديد.
و قد أوضحت السيدة أنيسة العياري أن هذا النوع من المؤسسات يستهدف أساسا فئة الشباب و خاصة منه الشباب العاطل عن العمل من حاملي الشهادات العليا. إن الأمر الذي اتفق عليه كل الحضور و جاء تأكيده في مداخلة ممثلة الوزارة أن هناك العديد من المشاكل التي تحول دون تفعيل هذا النمط الاقتصادي، و هي أساسا المشكل المفاهيمي أولا و مشكل الإطار القانوني ثانيا و هو يعتبر من أكثر العوائق التي تحول دون تكريس الاقتصاد التضامني و الاجتماعي.
و قد أكدت السيدة أنيسة ضرورة إيجاد اتفاق بين كل الأطراف من القطاع العام و الخاص و المجتمع المدني حتي تخلق المشاريع المناسبة التي تخول للاقتصاد التضامني و الاجتماعي البروز و الاستمرار بالتوازي مع الاقتصاد الكلاسيكي، و أن في ذلك خلق لقوة كبيرة للتنمية و التشغيل في بلادنا.
تحدثت كذلك ممثلة الوزارة عن الحدث المتعلق بالاقتصاد التضامني و الاجتماعي الذي نظمته الوزارة بالتعاون مع الاتحاد العام التونسي للشغل و الاتحاد التونسي للصناعة و التجارة و الصناعات التقليدية و بدعم من المكتب العالمي للتشغيل، و كان الهدف من هذا المؤتمر هو خلق الإرادة السياسة لتطوير القطاع و دعمه، و كذلك تحفيز كل الأطراف الفاعلة لبدأ العمل و التشاور و نقاش كل الاشكاليات المتعلقة بالقطاع و التمكن من وضع خطة عمل و استراتيجية بالتوافق مع كل الأطراف و خاصة في ما يخص المجال التشريعي المتعلق بالقطاع.
و في الاخر عبرت السيدة أنيسة العياري عن عزم الوزارة المضي في هذا القطاع و أنها بصدد البحث عن التمويلات المناسبة لبعث الجيل الأول من مشاريع الاقتصاد التضامني و الاجتماعي و أن هذا يعتبر من أكبر المشاريع التي تشتغل عليها الوزارة حاليا.
إذا فالاقتصاد التضامني و الاجتماعي يعتبر البديل الأمثل لحل أكبر مشكلتين تواجههما تونس حاليا و هما مشكلة التشغيل و التنمية و لكن بالرغم من كل الآمال المعلقة عليه إلا أنه توجد العديد من العوائق التي تحول دون تفعيله و تعميمه. فالمطلوب اليوم هو المضي في نسق أسرع نحو إيجاد الأطر القانونية التي تنظمه و كذلك العمل على نشر الثقافة المتعلقة به و التي ستساعد أكثر على نشره و الاستفادة منه، و هذا في الواقع الدور الذي تقوم به اليوم مؤسسة الياسمين للبحث و التواصل لإزالة الستار عن هذه الحلول الخلاقة لإشكاليات التنمية و التشغيل و التوعية بأهميتها من الناحية و الكشف عن فرص و تحديات تفعيلها من ناحية أخرى.