في إطار ندوتها السنوية حول الحوكمة التّشاركيّة ضمن إطار الانتقال الدّيمقراطي في تونس: الأدوار و الوسائل و التي انتظمت يومي 11 و 12 جوان 2015 بنزل رمادا بلازا بقمرت. اختتمت مؤسسة الياسمين مجموعة حصصها المبرمجة ليوم 11 جوان بجلسة نقاش حول دور المجتمع المدني في تقييم السّياسات العامة.
عمدت مؤسسة الياسمين خلال هذه الجلسة إلى ابراز دور و أهمية المجتمع المدني في إرساء و ترسيخ الديمقراطية في تونس و التركيز خاصة علي دور المجتمع المدني في تقييم السياسات العامّة و الوسائل التي يمكن أن يعتمدها في ذلك.
استهل الجلسة السيد حاتم دمق، مسير الحصة، بتقديمه لأول المتدخلين، السيد أنيس بن يونس من الشبكة التونسية للتقييم، الذي ركز في مداخلته على أهمية تقييم السياسات العامّة و استهلها بتعريف مبسط للتقييم، فالتقييم ليس مراقبةً أو تدقيقًا، و لكنه بالأحرى آليةُ لتحسين الآداء الحكومي، إذ أن هدفه الأساسي هو تحسين نجاعة العمل الحكومي.
السيد أنيس بن يونس، عضو الشبكة التونسية للتقييم
و في إطار تنزيل اللامركزية التي ينشغل بها اليوم المجتمع المدني برمّته، نجد العديد من التجارب المتعلقة بالتقييم هي بصدد التشكل. و لعّل من أبرز هذه التجارب، نجد مشروع بلديتي للمعهد العربي للحوكمة.
إنّ من أهم المشاكل و أكثرها طرحا اليوم هو مسألة هيئات الرقابة التي لا تقوم إلي يومنا هذا بنشر تقارير التقييم، إذا فهي مجرد تقارير شكلية لا ينجر عنها تغيير حقيقي في السياسات ولا تعتمد بشكل جدي في صياغة السياسات الجديدة.
و هنا يكمن دور الشبكة التونسية للتقييم التي تعمل علي ثلاثة محاور استراتيجية كبرى و هي مأسسة التقييم عبر إيجاد الأطر القانونية المناسبة لتنظيمه، من ثم دعم فضاءات التقييم من خلال خلق شراكات مع المجتمع المدني و مع الإدارات المحلية و المركزية، و أخيرا خلق نموذج تونسي للتقييم بالإستفادة من التجارب المحلية و الدولية.
يبدو أن دعم ثقافة التقييم من أهم الإشكاليات المطروحة، و التي يجب أن نعمل عليها في الفترة القادمة، فكل الأطراف مسؤولة عنها سواءً كانوا نوابا أو مسؤولين في مختلف مؤسسات الدولة أو نشطاء في المجتمع المدني، إذ تلعب كل الأطراف أدورا متكاملة في عملية التقييم من شأنها أن تجعله أكثر ثراء و نجاعة.
أما المداخلة الثانية فقد كانت للسيد خليل العميري، الكاتب العام للمعهد العربي للحوكمة، و الذي تطرق بدوره إلى أليات تقييم السياسات العمومية في المستوي المحلي.
السيد خليل العميري، الكاتب العام للمعهد العربي للحوكمة
و قد اشار السيد خليل العميري إلى أن كل مشكل تقابله العديد من الحلول أو السياسات التي من الممكن اتباعها، و لكن في النهاية يجب تنفيذ أو اتباع سياسة واحدة، فنقوم بداية بدراسة قابلية مختلف الحلول و السياسات ثمّ نقوم باعتماد واحدة منها و نلتزم بتقييمها و تجميع كل المعطيات المتعلقة بها في مرحلة ثانية، و أخيرا نعود للواقع نرى ملائمتها للمشكل و ندرس إمكانية تعديل هذه السياسة.
و قد أجمع كل من المتدخليْن خليل العميري و أنيس بن يونس علي افتقار تونس إلى دور الجمعيات و مؤسسات البحث، إذ إلى يومنا هذا لا يوجد في جامعاتنا ماجيستير في مجال السياسات العامّة، و هذا في حد ذاته يمثل إقصاء لدور النخبة الفكرية في المساهمة في طرح السياسات العامّة و تهميش لدورهم. في حين أن الدول المتقدمة تعتمد على نخبتها الفكرية في تقديم الحلول جاهزةً للسياسيين، اللذين لا يقومون بالأعمال البحثية و ينشغلون بإجراء البحوث الاجتماعية و الاقتصادية، بل الجامعات و المؤسسات و المعاهد البحثية هي التي تضطلع بهذا الدور و تقدم هذه المعطيات جاهزة للسياسيين و لأصحاب القرار.
كما أثار السيد خليل العميري مسألة غياب التقييم القبلي للسياسات و ما لها من تأثير في عديد القطاعات. و أشار كذلك إلى ضعف منظومة المعلومات في تونس و التي تعتبر واحدة من أهم الاشكاليات، إذ أن المعلومات التي تملكها الدولة قليلة جدا و ناقصة إضافة إلى عدم وجود استراتيجية واضحة لجمع المعلومات و لا لاستغلالها. و بالتالي يصعب علينا التقييم في ظل غياب المعلومات و المعطيات اللازمة.
و من ثم تطرق السيد العميري إلى غياب التقييم الذاتي و ما ينجر عنه من انعكاسات سلبية تحُول دون بلوغ الأهداف المرجوة. كما أن غياب التقييم الذاتي يعكس غياب الثقافة و غياب الوعي بأهميته، فأغلب الاشكاليات التي نعيشها حالبا تعود إلى عدم، غياب أو قلة التكوين و كذلك غياب التخطيط الاستراتيجي، إضافة إلى الإرادة و الوعي السياسي.
إن أهمية التقييم تكمن في تحقيق الوعي الشخصي أولا، و أنه بغياب التقييم لن نتمكن من حسن الصرف ثانيا، أخيرا أن التغيير داخل المؤسسات لا يأتي إلا عن طريق تسليط الضغط عليها، و يعتبر التقييم و إصدار التقارير إحدى وسائل الضغط التي ستدفع المجتمع برمته إلى المطالبة بالإصلاح.
و اعتبر السيد خليل العميري أن أمام تونس اليوم فرصة تاريخية لترسيخ ثقافة التقييم عبر تطبيق السلطة المحلية، إذ أن التقييم يمكن أن يبدأ من المستوي المحلي، أين يعتبر اعتماد التقييم أسهل بمراحل نظرا لعديد العوامل منها محدودية الرقعة الجغرافية و استعداد كل الأطراف للمشاركة، مما يستوجب دعم القدرات الذاتية للمجتمعات المحلية لتكون في مستوي التحدي الذي سيواجهها. و أشار في النهاية أن المعهد العربي للحوكمة يسعي إلي دعم قدرات التقييم الذاتي في البلديات و الجهات، وعيا منه بأنها الطريقة الأنجع نحو ترسيخ ثقافة التقييم والحوكمة التشاركية.