الرئيسية / ديمقراطية / حصّة نقاشية حول أدوات الحكم التشاركي في تونس
حصّة نقاشية حول أدوات الحكم التشاركي في تونس

حصّة نقاشية حول أدوات الحكم التشاركي في تونس

في إطار ندوتها السنوية التي التأمت يومي 11 و 12 جوان 2015 بنزل رمادا بلازا بقمرت، نظمت مؤسسة الياسمين للبحوث والتواصل حصّة نقاشية حول أدوات الحوكمة التشاركية وسبل تطبيقها في تونس أثّثتها ثلّة من الخبراء و النشطاء في المجال إلى جانب مداخلات قيّمة من طرف جمهور الحاضرين.

الحصّة استهلّها حاتم دمّق، منسّق برنامج بمؤسسة الياسمين وميسّر الحلقة النقاشية، بتقديم عام حول أبرز أدوات الحوكمة التشاركية وأوسعها انتشارا في العالم مثل الاستفتاء، المبادرة الشعبية، و العرائض، مع بسط لأهم ميزات وحدود كل واحدة منها. ثمّ تطرّق إلى تقديم أحد أهمّ هذه الأدوات وهي الميزانية التشاركية على المستوى المحلّي، إذ هناك الآن أكثر من 3000 بلدية في العالم تطبّق الميزانية التشاركية، كما قد شرعت بعض البلديات في تونس في استعمالها منذ أكثر من سنة.

لتقديم هذه الآلية وتبسيطها للحاضرين من غير العارفين بها، قام السيد يسري مقديش، مستشار المصالح العمومية ورئيس مكتب البرامج بمركز التكوين ودعم اللامركزية بوزارة الداخلية، بعرض مداخلة ثريّة احتوت على صور توضيحية ومقاطع فيديو تبسيطية أتت على جلّ المفاهيم المتعلقة بالميزانية التشاركية في البلديات، وهي باختصار عملية من المشاورة الديمقراطية يقرّر من خلالها الأشخاص العاديون كيفية تخصيص جزء من الموارد العمومية. كما ركّز بالأساس على الانعكاسات الإيجابية لتشريك المواطنين في عملية التخطيط ولو لجزء من الإنفاق العمومي، وضرب على ذلك أمثلة عديدة حيث ساهم اعتماد مبدأ الميزانية التشاركية بإحدى بلديات بوركينا فاسو في ارتفاع مداخيل البلدية وارتفاع مدى مصداقيّتها وثقة المتساكنين فيها. من جهة أخرى، تمكّن هذه الآلية من الإفادة من خبرات المتساكنين –مجانا- و هي خبرات لا ينبغي التقليل من أهمّيّتها، فضلا عن دورها في درء النزاعات أثناء إنجاز المشاريع لكونها حازت على إجماع متساكني الجهة ابتداءً. من فوائد الميزانية التشاركية أيضا توجيه الإنفاق العمومي إلى الحاجيات الحقيقية للمنطقة بشكل أكثر دقّة، فكما يقول المثل “أهل مكة أدرى بشعابها”، لذلك ترى سكان المنطقة أدرى بمشاكلهم واحتياجاتهم وبالتالي أعلم بأوجه الإنفاق الأنسب والأنجع لتلبية تلك الحاجيات. وعموما، تشير معظم الدراسات إلى أنّ اعتماد الميزانية التشاركية تعزّز مبادئ الشفافية والمساءلة وهي تمثل دعائم أساسية للانتقال الديموقراطي.

Image 1

يسري مقديش يقدم مفهوم و مميزات الميزانية التشاركية

ولنقف أكثر على طريقة تطبيق هذه الآليّة على أرض الواقع لا سيّما في السياق التونسي، قدّمت السيدة آمال حمراني، كاهية رئيس بلدية منزل بورقيبة والمسؤولة عن مشروع الميزانية التشاركية بها، تجربتها في هذا المجال. البداية كانت بمرسوم بلدي يخصّص جزءا من ميزانية البلدية لسنة 2015 قدره 100 ألف دينار تحت عنوان “تجميل المدينة” من أجل مشاركة المتساكنين في تحديد محتواه وكيفية إنفاقه، على أن تشرف على ذلك هيئة من الفريق البلدي ويسهر الكاتب العام للبلدية على تنفيذ المرسوم. الخطوة الثانية كانت بإمضاء اتفاقية بين بلدية منزل بورقيبة ومؤسسات المجتمع المدني بالجهة، وذلك حتّى تعاون هذه الأخيرة في عملية الإعلام والتواصل مع المواطنين وتيسير مختلف اللقاءات والفعاليات. انطلقت إثر ذلك حملات التواصل مع المواطنين ولعلّ أبرز ما ميّز هذه المرحلة، بحسب السيدة آمال، هو تجاوب المواطن التونسي مع المبادرة وإقباله على المشاركة في منتديات المواطنين وتقديره للمبادرات التي تأخذ رأيه بالحسبان. و يقوم المشاركون خلال المنتديات –وهي لقاءات تجمعهم بفريق الميزانية التشاركية بالبلدية- باختيار/انتخاب مشاريع  تجميل المدينة و يقومون أيضا بتعيين ممثلي مناطقهم السكنية. هذا ويقوم بتسيير هذه اللقاءات مبسّطون (facilitateurs) متدرّبون. التجربة وإن كانت في بدايتها فقد أحدثت ديناميكية جديدة في جميع الأحياء والمناطق السكنية التي انتظمت بها منتديات المواطنين (حي الشلاغمية، حي الثورة، حي النجاح) وبرهنت على قابلية وإمكانية اعتماد الميزانية التشاركية على مستوى البلديات في تونس. ولكن بلا شكّ لا تزال هناك مراحل لاحقة قد تكون محدّدة لنجاح المشروع من عدمه، فالأمر لا يتعلّق باختيار المشاريع فحسب، ولكن أيضا باختيار من سيقوم بإنجازها ومتابعة ذلك والتأكّد من الإنفاق الرشيد للموارد التي تمّ رصدها وغير ذلك.

في هذا السياق، قدّم السيد رضا اللوح، و هو خبير ومستشار ومسؤول الميزانية التشاركية ببلدية وادي الليل، قراءة نقدية للطريقة الحالية التي يتمّ بها تناول الميزانية التشاركية. فهو يرى أنها بكل الأحوال تخص نسبة ضئيلة من الاعتمادات المرسومة بالميزانية العامة، إلى جانب احتوائها لجملة من القواعد والمبادئ والقوانين المنظمة للتصرف المالي وهي أمور معقدة ومتشعبة يصعب فهمها و متابعتها من طرف المواطن أو المجتمع المدني، فضلا عن عدم مشاركة المواطن في أهم مراحل تنفيذ المشاريع المبرمجة بالميزانية وهي مرحلة توفير التمويلات اللازمة للمشاريع التي قد تتعطل لعدم وجود التمويل الذاتي ومرحلة التعهد والإعلان عن الصفقات والإستشارات وما تتطلبه من إجراءات متعددة ومعقدة وخاصة إعداد كراسات الشروط. كما يرى السيد رضا اللوح أن عزوف المواطن عموما وبالأخص الشباب والمرأة عن الإنخراط في العمل السياسي والجمعياتي وحالة عدم الثقة بينه وبين الإدارة قد يمثل عائقا حقيقيا للتشاركية فتبقى مشاركة المواطنين محدودة. وبالتالي فإنه يخلص إلى أن التشاركية كما يتم طرحها اليوم قد تخلق المواطن المشارك لكنها لن تخلق المواطن المسؤول.  وفي المقابل، قدّم طرحا جديدا للميزانية التشاركية يعتمد برامج تشاركية حقيقية تخص الأحياء يكون المواطن طرفا فاعلا فيها في كامل مراحلها (التصور- البرمجة التمويل- التنفيذ و المراقبة ) تمكن كل حي في حدود ما يمكن أن يوفره من تمويلات ذاتية وإعانات وقروض أن ينفذ مشاريع تنموية خاصة به، بمعنى أن الميزانية التشاركية تكون مستقلة عن الميزانية العامة ويشارك المواطن في تمويلها وتنفيذها ومراقبتها. ثمّ خاض السيد رضا اللوح في تفاصيل أكثر لا سيما على مستوى مصادر تمويل الميزانية التشاركية والأهداف التي يمكن تحقيقها في صورة اعتماد هذا التمشي الجديد. كما أشار في ختام مداخلته أنّ الفكرة تبقى في حاجة لمزيد من الدرس و التعمّق كما أنها ستحتاج لبعض التعديلات والإجراءات القانونية من أجل إمكانية تنفيذها.

Image 2

رضا اللوح يقدم قراءة نقدية و بدائل مجددة في سياق الميزانية التشاركية

وعلى إثر هذه المداخلات الثلاث، اُتيحت الفرصة للجمهور للتفاعل مع الضيوف بطرح أسئلة وعرض تجارب أثرت الحصّة بشكل أكبر و مكنت من الوقوف على آفاق الميزانية التشاركية في تونس، فلئن كانت التجربة لا تزال في بدايتها، فإنها بلا شكّ تمثّل خطوة إيجابية نحو تكريس مبدأ المشاركة وتعزيز انخراط المواطن في الشأن العام وهي مقومات أساسية لنجاح إرساء الحكم المحلي وذلك في انتظار استكمال مراحل تجسيد اللامركزية في تونس كما تصوّرها دستور 27 جانفي 2014.

وفي سياق متصل، قدّمت الآنسة ولاء قاسمي، مؤسِّسة ورئيسة منظمة “الشباب يقرّر” مداخلة قيّمة حول دور التكنولوجيات الحديثة في تحفيز وتيسير المشاركة السياسية لا سيّما من طرف الشباب، الذين يمثلون حوالي 60 بالمائة من الشعب التونسي، والذين مثلوا الوقود الحقيقي للثورة في انطلاقتها. الوعي بأهمّية هذا الدور دفع الآنسة ولاء وزملاءها إلى تصميم تطبيقات تشتغل على الانترنت والهواتف الذكية تمكّن المستخدمين من التعليق المباشر على أهمّ الأحداث على الساحة الوطنية، وإبداء رأيهم في المترشحين على الرئاسة، والتصويت لهم افتراضيا. وقد لاقت هذه التطبيقات استحسانا كبيرا لدى فئات الشباب وتمّ استعمالها بشكل واسع لدرجة أنّها أصبحت تعكس بدرجة عالية من الدّقّة الرأي العام السائد. وهذا إن دلّ على شيء، فإنّما يدلّ على أن الشباب لديه القابلية و الرغبة في المشاركة في الحياة السياسية وفي الشأن العام ولكن ينبغي التوجّه إليه بالأدوات العصرية الملائمة.

Image 3

الآنسة ولاء قاسمي، رئيسة منظمة “الشباب يقرر”، تتحدث عن دور التكنولوجيا في الديموقراطية التشاركية

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى