الرئيسية / الاقتصاد والتنمية / مشروع قانون حق النّفاذ للمعلومة – ثورة معلوماتيّة أم خطوة متعثّرة في الاتجاه الصّحيح؟

مشروع قانون حق النّفاذ للمعلومة – ثورة معلوماتيّة أم خطوة متعثّرة في الاتجاه الصّحيح؟

مؤسسة الياسمين- تم تبني الحوكمة المفتوحة تدريجيا في تونس بعد الثّورة. مطالبة الشّعب بقدر أكبر من مساءلة الحكومة أدّت إلى تبنّي المرسوم 41 و المرسوم 54 في 2011 ضمانا لحقّ النّفاذ للمعلومة. هذه المراسيم تبين الاجراءات التي تسمح لأيّ شخص بطلب الحصول على الوثائق الاداريّة من الهيئات العمومية بما فيها تلك التي لها علاقة بالهيكلة و التّنظيم و السّياسات و القرارات الهامّة المتّعلقة بالشّأن العام و قائمات الموظّفين و مهامهم و نتائج المناقصات العامّة و الاحصائيّات الاقتصاديّة و الاجتماعيّة، كل البيانات التي لها علاقة بمؤشّرات الاقتصاد الكلّي و الدَّيْن العام و الأصول العامّة و النّفقات متوسّطة الأجل و الميزانيّات.

كما يقدّم الدّستور التّونسي الجديد ل26 جانفي 2014 “حقّا جديدا للمعلومة و النّفاذ لها” كحق من حقوق الانسان الأساسيّة (الفصل 32). العديد من الفصول تعالج التزام الدولة بمنع الفساد (الفصل 10)، إدارة الموارد بفاعليّة و عدل (12، 13)، و عمل الادارة العمومية وفقا لقواعد الشّفافيّة و النّزاهة و الفاعليّة و المساءلة (الفصل 15).

منذ 2014، كانت الدّولة بصدد التّحضير لمشروع قانون حق النّفاذ للمعلومة لتعويض المراسيم الموجودة حاليّا و سدّ الثغرات القانونيّة. على اثر مشاورتين عامّتين و موافقة المجلس الوزاري، تمّ تقديم مشروع القانون لدى مجلس نواب الشّعب للنّقاش و التّصويت.

 

ماهي التّغييرات التي يصنعها مشروع القانون؟

 

مشروع القانون أوسع و أكثر تفصيلا من المراسيم التي يعوّضها. الفصل 8 يحدّد الوثائق التي يجب على الهيئات العموميّة توفيرها. “الهيئات العموميّة” تشمل مؤسّسات الدّولة المركزيّة و هيئات التّمثيل الأجنبيّة و الهيئات الجهويّة و البلديّة و الهيئات القضائيّة و الهيئات التّنظيميّة و الشّركات التّابعة للدّولة و كلّ الجمعيّات المستفيدة من تمويل عمومي معيّن ( يتم تحديد القيمة القصوى للتمويل بأمر تنفيذي)

يلزم القانون الهيئات العموميّة بالمبادرة بنشر معلومات معيّنة بصفة منتظمة، بما فيها قائمة الخدمات التي توفّرها، وثائقها القانونيّة و التّنظيميّة، البرامج و السّياسات ذات الأهمّيّة بالنّسبة للعامّة و قائمة المسؤولين عن الحصول على المعلومة. يجب نشر هذه المعلومات و تحديثها على موقع الكتروني كل ثلاثة أشهر على الأقلّ. كما يجب أيضا أن يكون التّوجيه حول كيفيّة طلب المعلومة من الهيئة متوفّرا على الموقع.

يتطلّب القانون أن تحدّد كلّ هيئة عموميّة مسؤولا عن الحصول على المعلومة حتى يتمكّن من معالجة كل الطّلبات للمعلومة و توفير المساعدة اللاّزمة لطالبيها. كما يجب عليهم أيضا اعداد مشروع خطّة عمل لتنفيذ الحصول على المعلومة داخل المنظّمة و دليل يبسّط للعموم اجراءات الحصول عليها.

مشروع القانون يرتئي انشاء لجنة مستقلّة للنّفاذ للمعلومة مسؤولة على مراقبة احترام حقّ النّفاذ للمعلومة. للهيأة سلطة تحديد النّزاعات المتعلّقة بالنّفاذ للمعلومة و فرض العقوبات و اعطاء رأيها بخصوص التّشريعات المتعلّقة بالنّفاذ للمعلومة.

لكنّ مشروع القانون يُعفي عددا من أنواع الوثائق من حقّ النّفاذ للمعلومة، حيث يمكن أن تؤدّي المعلومة إلى الاخلال ب:

 

  • الدّفاع و الأمن الوطني
  • العلاقات الدّوليّة
  • المصالح الاقتصاديّة للدّولة
  • المعلومات السّرّيّة
  • المصالح التّجاريّة للهيئات العموميّة
  • صنع القرار، تبادل وجهات النّظر، النّصائح
  • الاجراءات القانونيّة
  • رصد و منع الجرائم
  • الحقّ في الحياة الخاصّة
  • التّجارب و الدّراسات المُعَدّة للهيئات العموميّة

 

هذه المجموعات الموسّعة من الوثائق التي أُعفيت من حقّ النّفاذ لها تهدّد الحقّ نفسه. لقد وقع انتقاد مشروع القانون من قبل منظّمات المجتمع المدني مثل منظّمة “الفصل 19″، “الرّابطة التّونسية لحقوق الانسان” و “البوصلة” لكونه غير واضح و غير دقيق.

عدم وجود عقوبات شديدة لمخالفي القانون

 

الفصل 62 من مشروع القانون ينصّ على أنّ كل من يسعى لتأخير النّفاذ للمعلومة أو تدميرها بشكل غير قانوني يجب أن يدفع غرامة ماليّة قيمتها 500 دينار. عند مقارنته بالقوانين الوطنيّة الأخرى، يتبيّن أنّ هذه العقوبة في غاية البساطة. في بريطانيا على سبيل المثال، يعتبر كلّ تغيير، حظر، تدمير أو الغاء للمعلومة جريمة. القانون الكندي المتعلّق بالنّفاذ للمعلومة يعتبر أيضا تدمير أو تغيير وثيقة بنيّة انتهاك حقّ النّفاذ للمعلومة جريمة يعاقب عليها بالسّجن لمدة تصل لسنتين و غرامة أقصاها 10.000 دولار.

تدنّي العقوبة في مشروع القانون التّونسي يسمح للمنتهكين المحتملين بالمجازفة بإخفاء أو تدمير الوثائق لعلمهم بعدم خطورة النّتائج.

مشروع القانون الآن بين أيدي المجلس و قد تمّ تقديمه للجنة الحقوق و الحرّيّات و العلاقات الخارجيّة للتدقيق فيه. في شكله الحالي، مشروع القانون يأتي بتدابير جديدة بامكانها تعزيز النّفاذ للمعلومة. ومع ذلك، فإن الاستثناءات من الحق في الحصول على المعلومات مثيرة للقلق و يمكن تفسيرها تفسيرا واسعا باستبعاد المعلومات الحيوية ذات الأهمية عن العموم مثل الدّراسات البيئية التي تبرز التّلوّث في بعض المناطق و المعلومات التي لها علاقة بقوّات الأمن و المعلومات حول حالة الاقتصاد.

حقّ النّفاذ للمعلومة يعتبر حجرا أساسيّا لبناء دولة ديمقراطيّة. باعتبار التّصريحات الأخيرة لرئيس الهيأة الوطنيّة لمكافحة الفساد المتمثّلة في كون بقاء الاستراتيجيّة الوطنيّة لمكافحة الفساد “حبر على ورق”، يجب استعمال كل وسيلة من شأنها تعزيز انفتاح الحكومة و مساءلتها و منع الفساد و محاربته. لا بدّ من أن تجتمع الارادة السّياسيّة الواضحة مع القوانين القويّة و العقوبات الصّارمة من أجل ارسال رسالة قويّة مفادها أنّ الوقت قد حان للانتقال من ثقافة السّرّيّة إلى ثقافة الشّفافيّة و المساءلة. عندها فقط سينجح صنّاع القرار في ضمان تغيير العقليات في القطاع العام وخلق وعي عام أكبر و مشاركة أوسع في الحكم.

عن Équipe média

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى