مؤسسة الياسمين – انقضى الأسبوع الثاني منذ ان دخل القضاة التونسيون في اضراب دام ليومين (29-30 افريل) شهدت خلالها معظم الأسلاك القضائية شللا شبه تام، خصوصا بعد انضمام متصرفي القضاء والمؤتمنين العدليين وكتاب عدل الإشهاد والتنفيذ، بسبب ما اعتبروه انتهاكات لمبدأ استقلالية القضاء ونظرا لتزايد المواقف الرافضة لمهام المجلس وتركيبته، اضافة الى عدم احترام الآجال الدستورية.
الأجل الدستوري: نقطة خلاف مؤقتة
ينص دستور 27 جانفي 2014 في فصله 148 من باب الأحكام الانتقالية على ما يلي:” يتم في أجل أقصاه ستة أشهر من تاريخ الانتخابات التشريعية ارساء المجلس الاعلى للقضاء”، وبما ان الانتخابات قد أنجزت منذ شهر 26 أكتوبر 2014، فان أقصى تقدير لإرساء المجلس يكون بتاريخ 26 أفريل 2015، هذا ما خلف موجة من الاحتجاجات رغم اقرار مجلس نواب الشعب في جلسة عقدها مكتب المجلس ولجنة التشريع العام إلى الحسم في المسألة واعتبار الأجل الذي نص عليه الدستور “استنهاضي”، أي لا يترتب عن عدم احترامه جزاء ولا يعد خرقا تبطل بانقضائه الأعمال”.
واختلفت القراءات والتأويلات القانونية من هذا الجانب، وذهب بعضها الى اعتبار النص الدستوري يشير الى تاريخ الاعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية، فيما يرى البعض الآخر انه يجوز اعتبار تاريخ أداء القسم ودخول البرلمان هو المقصود.
إضراب قضائي ثان يدوم لخمسة أيام
ورغم تجاوز نقطة الخلاف المتعلقة بعدم احترام الآجال الدستورية، فان قاعات المحاكم لم تستقبل روادها بداية من يوم الاثنين 11 ماي، وغاب عنها القضاة بعد ان دعت جمعية القضاة التونسيين لأول مرة عن أطول فترة إضراب تتواصل الى يوم الجمعة، تعبيرا عن رفضهم لمشروع القانون الأساسي المتعلق باستحداث “المجلس الأعلى للقضاء” والذي تسهر على إعداده لجنة التشريع العام صلب البرلمان الذي بدأ يوم الثلاثاء 12 ماي بمناقشته فصلا فصلا قبل المصادقة عليه.
وقد نفذ القضاة يوم امس الاربعاء وقفة احتجاجية بالزي القضائي أمام مجلس نواب الشعب بالإضافة إلى تشكيل خلية أزمة لضمان مستقبل سلطة قضائية مستقلة واعتبرت رئيسة جمعية القضاة، روضة القرافي في تصريح لها ان مشروع القانون تهديدا جديا للانتقال الديمقراطي ووصفته بالخطير على مستقبل السلطة القضائية المستقلة.
واكدت في تصريحات متفرقة لوسائل اعلام محلية، ان “هناك نية لإعادة بناء المنظومة القضائية التي سادت في العهد البائد، من خلال إفراغ المجلس الأعلى للقضاء من صلاحياته، وإسنادها مجددا إلى وزير العدل، وهو أمر يتضارب مع ما جاء في الدستور”، معبّرة عن مخاوف القضاة الجدّية من إعادة هيمنة السلطة التنفيذية على القضاء.
وأوضحت أن “مشروع القانون الأساسي قلّص عدد أعضاء المجلس الأعلى للقضاء، وعدد القضاة في مجلس القضاء العدلي، بهدف تهميش دورهم، وإغراق المجلس في مهامه المتبقّية، ومحاولة تنكيس السلطة القضائية”.
وقالت ان هناك رغبة واضحة من قبل السلطة التنفيذية، بالتدخل في المجلس الأعلى للقضاء، من خلال تعديل تركيبته، وتقليص عدد القضاة المنتخبين، وزيادة عدد المعيّنين، داعية كافة مكوّنات المجتمع المدني إلى “المشاركة في تحركات الهيكل القضائي، ومساندته في تحركه المشروع”.
كما انها اعتبرت استبعاد هيكل التفقدية العامة من المجلس الأعلى للقضاء، وإلحاقها مجددا بوزارة العدل، يهدف الى التعتيم على كل التجاوزات التي تحصل في المنظومة القضائية وهو ما كان سائدا في عهد النظام البائد حسب تعبيرها.
ولفتت رئيسة جمعية القضاة إلى “خطورة” ما أقدمت عليه لجنة التشريع العام في مجلس نوّاب الشعب، من خلال “طرح مشروع جديد للمجلس الأعلى للقضاء، يخالف نصّ الدستور في فصله 102”.
تواصل النقاش تحت قبة باردو وتباين المواقف
ومع انطلاق مناقشة مشروع المجلس الاعلى للقضاء، تباينت مواقف النواب خلال مداخلاتهم في النقاش العام حول مشروع القانون الأساسي المتعلق بالمجلس الاعلى للقضاء خلال اليومين الماضيين بين الرضا عن ما توصلت اليه لجنة التشريع العام رغم ما شاب المشروع من هنات لا تمس من مضمونه وبين من هدد بعدم التصويت على القانون فى صيغته المعروضة .
ولئن ذهبت أغلب الآراء الى أن الصيغة المقترحة مقبولة عموما وتحتاج فقط الى بعض التحسينات فان كتلة افاق تونس اعتبرت أن تبنى جانب هام من الفصول خرق واضح للدستور وتراجع عن المشروع المقترح من قبل وزارة العدل وأجمع المتدخلون على ضرورة تعديل النص المقترح على مستوى وضعية القضاء العسكري في المجلس الاعلى للقضاء.
ولتجاوز الخلاف بهذا الشأن اقترح الحبيب خضر عن حركة النهضة ادراج فصل في باب الاحكام الانتقالية يتم فيه التنصيص على أن يكون المدير العام للمصالح العدلية حاضرا في المجلس عوضا عن المدعى العام للقضاء العسكري وافراد هذا القطاع بهيكل خاص يمثله.
وفى جانب اخر دعا خميس كسيلة (نداء تونس) الى اضافة صنف عدول التنفيذ لتركيبة المجلس بالنظر الى دورهم الهام ومرافقتهم للعمل بالمجلس الوطني التأسيسي وفى تنظيم الانتخابات والاعداد لها مطمئنا الاطراف المعنية بأن الحاق هذا الصنف لن يضر بوزن الاطراف الاخرى الممثلة في المجلس.
واعتبر محسن حسن (الاتحاد الوطني الحر) المشروع المعروض مقبولا وضامنا لاستقلالية السلطة القضائية شرط ادخال بعض التعديلات المتعلقة بالأساس بالقضاء العسكري وبإيجاد اليات ناجعة لتسليط الرقابة البرلمانية على المجلس الاعلى للقضاء .
واتفق نواب الجبهة الشعبية الذين تداولوا على أخذ الكلمة على أن النقاش حول قانون المجلس الاعلى للقضاء هو نقاش سياسي يتعلق بمكانة السلطة القضائية بين السلط اذ قدر زياد الاخضر أن تركيز أسس السلطة القضائية سيكون امتحانا للبرلمان فى اقامة دولة تكون فيها السلطات متوازنة وقال أحمد الصديق ان نص المشروع يتوفر على ما هو مطلوب لتحقيق التوازن وأن الجلسة العامة مدعوة الى تحمل مسؤوليتها لتحسين النص حتى يكون فى حجم تطلعات الشعب وثورته على الاستبداد الذى كان القضاء أحد أذرعه الاساسية حسب رأيه.
ومن جهتهم هدد نواب كتلة افاق تونس بعدم التصويت على النص فى صيغته الحالية. فقد اعتبرت ريم محجوب رئيسة الكتلة أن المشروع الذى تقدمت به لجنة التشريع العام فيه خروقات للدستور وتراجعات عن مشروع الحكومة فى عدة مستويات من بينها القضاء العسكري الذى لم يتم التنصيص عليه فى الدستور والتصويت بأغلبية 3 أرباع على النظام الداخلي فى المجلس. وقالت محجوب ان الخلاف يتعلق أساسا بالثلث الخاص بغير القضاة صلب تركيبة هياكل المجلس ملاحظة أنه من غير المعقول تعطيل مصالح البلاد بتعلة الحرص على مصلحة هذا الثلث الذى شددت على أنه لا بد أن يكون منفتحا على المجتمع المدني ليكون العين الرقيبة ولا يقتصر على المحامين .