الرئيسية / الحوكمة / السياسات العامة / هل سيسعى الحبيب الصيد لتشكيل حكومة وحدة وطنية؟
هل سيسعى الحبيب الصيد لتشكيل حكومة وحدة وطنية؟

هل سيسعى الحبيب الصيد لتشكيل حكومة وحدة وطنية؟

انتهت جولة مشاورات تشكيل الحكومة التونسية الجديدة، التي استغرقت 18 يوما ليقدم “الحبيب الصيد” المكلف بتحديد فريقه الوزاري لرئيس الجمهورية “الباجي قايد السبسي” قائمة أسماء تضم 24 وزيرا و15 كاتب دولة يوم الجمعة الماضي.

ولم تضم الحكومة المُقترحة اسماء منتمين الى حركة النهضة (69 مقعد) والجبهة الشعبية (15 مقعد) وحزب آفاق تونس (8 مقاعد)، وأعلن جميعهم عدم منحهم “الثقة” في جلسة التصويت العامة ما دفع بالصيد لخوض جولة ثانية من المشاورات.

كيف كانت المباحثات الأولى؟

 اتسمت المرحلة الأولى من المشاورات الماراطونية بطولها وسريتها، بعد أن كلف رئيس الجمهورية في الخامس من الشهر الجاري الحبيب الصيد باعتباره شخصية “مستقلة” بتشكيل الحكومة، في رسالة سياسية صريحة مفادها الرغبة في تشكيل حكومة إئتلافية من جهة وتخليص حزب نداء تونس الذي ظفر برئاسة البرلمان والجمهورية من صفة “التغول” من جهة أخرى.

وتحدثت تسريبات وتقارير إعلامية سابقة عن أن الصيد كان بصدد إجراء سلسلة من اللقاءات مع الحزبين الأثقل وزنا في مجلس النواب، نداء تونس وحركة النهضة، وأفضت الى عرض حقيبتين وزاريتين وثلاثة كتابات دولة على النهضة، مقابل تولي النداء عشر حقائب وزارية من بينها وزارات السيادة مع تحييد وزارتي الداخلية والعدل.

كما أن الصيد لم ينس حزبي الاتحاد الوطني الحر وآفاق تونس باعتبارهما حليفين أساسيين لنداء تونس، والمُلاحظ أن المفاوضات معهما تميزت بالأخذ والرد، فقد أعلن سليم الرياحي (الوطني الحر) في الايام الاخيرة عن تعليق مشاركة حزبه والأرجح بسبب عدم مرونة الصيد الذي وجد بعض الشروط مجحفة، في المقابل تقبل آفاق تونس العرض الأولي المتمثل في منحه3 وزارات وكتابة دولة مع تأكيده على ضرورة أن يضم الطاقم الحكومي “كفاءات سياسية”.

ما الذي تغير يوم 23 جانفي؟

 ظهيرة يوم الجمعة أعلن الحبيب الصيد عن تركيبة حكومية قوبلت بالرفض من أغلب الأحزاب السياسية، يرى البعض أنها حكومة “معدة سلفا” او بالتوازي مع المشاورات التي كان الصيد يقوم بإجرائها، ويرى البعض الآخر أنها فُرضت على رئيس الحكومة المكلف يومها بعد لقاء جمعه “بمسؤولين” من قصر قرطاج، أفرزت قائمة تجمع بين حزبي نداء تونس والوطني الحر وعدد من المستقلين.

وقبل الإعلان عن التركيبة الوزارية، عبّر آفاق تونس من خلال بيان رسمي، أنه لن يمنح ثقته للحكومة المُقترحة نظراً لاعتراضه على بعض الأسماء ولما وصفه بعدم التوافق في البرامج، بينما تشير المعلومات المتداولة أن سبب الرفض هو تراجع الصيد عن عرضه الاولي وعرضه حقيبتين وزرايتين على الحزب.

وعقد مجلس شورى حركة النهضة اجتماعا قرر من خلاله عدم منح ثقة كتلته للحكومة وكذلك قررت الجبهة الشعبية.

طبيعة الحكومة الأولى:

 أجمع المحللون ومختلف الطيف السياسي على أن الحكومة المُعلن عنها مساء 23 من جانفي 2015،  ليست ائتلافية فهي لا تضم اي حزب معارض مؤثر، رغم التسريبات والمشاورات التي كشفت سابقا عن “نية” تشريك حركة النهضة وآفاق تونس.

ورغم التوقعات التي كانت تنتظر أن تكون الحكومة “حكومة كفاءات وطنية”تضم شخصيات سياسية ونشطاء بالمجتمع المدني فان حكومة الصيد في حقيقة الأمر تجمع بين حزب نداء تونس (ابرزها وزارة الخارجية تم اسنادها للطيب البكوش) وشخصيات مستقلة محسوبة على تيار اليسار غير المنتظم، والمرتبط عضويّاً بالجناح اليساري في النداء، بالاضافة لإسناد ثلاثة حقائب لحزب التيار الوطني الحر.

أسماء مُقترحة أثارت ردود أفعال سلبية وانسحاب وزير التجارة

وقد أثارت جملة من أسماء الوزارء جدلا واسعا، من بينها وزير الشؤون الدينية العروسي الميزوري، وهو مدير أسبق للمعهد العالي لأصول الدين ومتهم بتبييض نظام زين العابدين بن علي -الذي سقط عقب ثورة 2011- وملاحقته المتكررة للطالبات المحجبات.

كما أعرب عدد من السياسيين عن قلقهم من تعيين “سليم شاكر” في منصب وزارة التجارة والذي تحوم حوله شبهات وقضايا فساد ما أجبر الأخير على إصدار بيان وجهه للرأي العام أعلن من خلاله عن عدم قدرته على توليه الوزارة.

وانتقدت وسائل الإعلام “محسن حسن” القيادي بالوطني الحر والذي تم اختياره لتولي وزارة السياحة، في إشارة لحساسية هذا القطاع ونقص خبرة الشخصية المُكلفة، وتناقل نشطاء على المواقع الاجتماعية صور شهداء الثورة التونسية احتجاجا على تعيين “ماجدولين الشارني” كاتبة دولة مكلفة بملف شهداء وجرحى الثورة (أخت أمني سقراط الشارني الذي قُتل في اكتوبر 2013 في عملية ارهابية بمنطقة سيدي علي بن عون) مشيرين الى أحقية عائلات شهداء ثورة 2011 بتولي هذا المنصب.

في نفس السياق تقدمت منظمة الأعراف باحترازات حول حقائب تعلقت أساسا بمعياري الكفاءة والحياد في وزارات المالية والشؤون الاجتماعية والاستثمار.

فيتو مجلس النواب يُفضي الى استمرار المشاورات

 ورغم أنه كان من المتوقع عرض الحكومة المُقترحة على مجلس نواب الشعب للتصويت عليها يوم الثلاثاء الماضي الا أنه تقرّر تأجيل الجلسة الى مطلع الأسبوع القادم بسبب عجز نداء تونس على جمع 109 من الأصوات التي تُخول منح الثقة لحكومة الصيد، ويقول محمد الطرودي رئيس لجنة النظام الداخلي بمجلس نواب الشعب (من حزب حركة نداء تونس) في تصريحات صحفية إنه “لا علاقة لموقف عدد من الأحزاب السياسية الرافضة منح الثقة لحكومة الصيد بقرار تأجيل هذه الجلسة العامة”. في حين أن منح الثقة لا يتعلق بالنظام الداخلي بل يرتبط مباشرة بالدستور التونسي الذي تمت المصادقة عليه في 27 جانفي 2014.

وقد بدأ الحبيب الصيد جولة جديدة من المفاوضات مع مختلف الأطراف لإنقاذ حكومته، وابتدأ جولته بحركة النهضة وحزب الجبهة الشعبية وحزب آفاق تونس.

وصرح راشد الغنوشي زعيم النهضة اثر اللقاء بأنه متفائل بالتعديلات التي ينوي رئيس الحكومة إدخالها على التشكيلة واصفا إياها بالطيبة وبكونها خطوة أولى للتوصل لتوافق وطني واضاف أن التشكيلة السابقة لم تكن تمثل كل الاطراف.

حمة الهمامي الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية (ائتلاف يساري)، أعلن من جهته بأن رغبة الصيد بتوسيع التشكيلة وبإضافة تغييرات تمثل مبادرة ايجابية..

من جهة أخرى قال ياسين إبراهيم رئيس آفاق تونس ان الصيد عرض على حزبه من جديد المشاركة في الحكومة دون أن يوضح حجم الحقائب التي عرضها عليه.

ويرى مراقبون أن المفاوضات المهمة التي سيعقدها الحبيب الصيد ستكون أساسا مع حزب آفاق تونس الليبيرالي والذي يمكن أن يحسم موضوع منح الثقة للحكومة في الجلسة المقبلة إضافة الى الجبهة الشعبية ولكنها لن تمر بأغلبية مريحة تتيح لها العمل بطريقة سلسة.

بينما يثير مقترح تشريك حركة النهضة في الحكومة مسألة خلافية داخل حركة نداء تونس بسبب وجود تيارين داخله أحدهما (شق يساري) يرفض تماما دخولها الى الحكومة، كما أكدت الجبهة الشعبية (إئتلاف يساري) في أكثر من مناسبة رفضها لتواجد حركة النهضة في التركيبة الوزارية إضافة لرفضها لمن وصفتهم برموز النظام السابق كما أنها اشترطت نقاطا عديدة في البرنامج الحكومي المرتقب حتى تمنحها ثقتها.

 تجدر الإشارة الى انه يمكن لحكومة الصيد أن تتحصل على ثقة الحكومة داخل البرلمان إذا تحالف نداء تونس (86 مقعد) مع حركة النهضة (69 مقعد) باعتبارهما يمتلكان أغلبية مريحة تمكن الحكومة من تطبيق برنامجها وتمرير مشاريع قوانينها.

ويمهل الدستور التونسي مدة شهر منذ التكليف الأول لرئيس الحكومة وينص الفصل 89 على ذلك “يكلف رئيس الجمهورية، مرشح الحزب أو الائتلاف الانتخابي المتحصل على أكبر عدد من المقاعد بمجلس نواب الشعب، بتكوين الحكومة خلال شهر يجدد مرة واحدة”.

 وقد منح الدستور الجديد المصادق عليه في 27 جانفي 2014 صلاحيات واسعة لرئيس الحكومة مقابل صلاحيات محدودة لرئيس الجمهورية.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى